على تحقق فناء الثلثين بحسب الوزن وقبل أن يتحقق ذلك تكون الحال مشكوكا فيها لتعارض احتمالي الذهاب وعدم الذهاب بحسب اعتباري الصورة والحقيقة فلا ترتفع الحرمة اليقينية الحاصلة بإصابة النار إلا بحصول الحلية اليقينية الموقوفة على تحقق الذهاب على الوجه المذكور.
وفي ألفاظ الروايات إشارات لطيفة إلى هذا التحقيق مثل استعمال لفظ الباقي في مقابل الذاهب فإنه مشعر بأن المراد بالذهاب هناك هو الفناء والانفصال لا ما يشمل الدخول والاندماج في قوام سائر الأجزاء فإن الذهاب بهذا المعنى لا ينافي البقاء في الجملة ولعل ذكر بقاء الثلث بعد ذكر ذهاب الثلثين في أكثر الروايات مع أنه بحسب الظاهر مستغنى عنه لدفع هذا التوهم.
ومثل استعمال لفظ الأوقية في رواية ابن أبي يعفور المتقدمة فإنها سواء كانت تمييزا أو مفعولا بحسب التركيب تكون باعتبار أنها مفسرة بأربعين درهما أو سبعة مثاقيل كما عرفت صريحة في الوزن بلا شائبة احتمال الكيل فيها فتدل على أن المعيار هاهنا هو الوزن لا الكيل.
ومثل استعمال لفظ الدوانيق في رواية ابن سنان فإن الدانق في أصل وضعه عبارة عن سدس الدرهم الذي لا يجري فيه شائبة الكيل خصوصا إذا كان المقصود به هناك أيضا معناه الحقيقي كما فهمه الشيخ رحمهالله حيث عبر عنه في النهاية بقوله أو يذهب من كل درهم ثلاثة دوانيق ونصف وأما الكيل الوارد في رواية عقبة بن خالد فيمكن حمله على الوزن المعروف فيه لا الكيل للجمع بينه وبين سائر الروايات.
وأقول يمكن أن يكون مخيرا في التقدير بهما توسعة على الناس كما هو المناسب للملة الحنيفية لقلة التفاوت بينهما وحصول الغرض الذي هو عدم التغير والفساد بالبقاء زمانا طويلا بكل منهما كما أن الشارع خير في الكر بين التقدير بالأشبار والأرطال وفي مسافة القصر بين مسير يوم والأميال وفي الدية بين ألف دينار وعشرة آلاف درهم مع حصول التفاوت الكثير في النسبة بينهما في اختلاف الأزمان والأحوال وهو أوفق للجمع بين الأخبار ولعدم التعرض للتصريح