أشباههم من هذه الأمة الذين أقاموا حروف الكتاب وحرفوا حدوده فهم مع السادة والكبرة ـ فإذا تفرقت قادة الأهواء ـ كانوا مع أكثرهم دنيا و « ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ » لا يزالون كذلك في طبع وطمع لا يزال يسمع صوت إبليس على ألسنتهم بباطل كثير يصبر منهم العلماء على الأذى والتعنيف ويعيبون على العلماء بالتكليف والعلماء في أنفسهم خانة إن كتموا النصيحة إن رأوا تائها ضالا لا يهدونه أو ميتا لا يحيونه فبئس ما يصنعون لأن الله تبارك وتعالى أخذ عليهم الميثاق في الكتاب أن
______________________________________________________
قوله عليهالسلام : « وذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ » إشارة إلى قوله تعالى : « فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ » (١) أي أمر الدنيا أو كونها تسمية مبلغهم من العلم ، لا يتجاوزه علمهم ، وما في الخبر يحتمل أن يكون المراد به « هذا ما بلغوه بسبب علمهم » أي لم يحصل سوى ذلك من العلم.
قوله عليهالسلام : « في طبع » قال الجزري (٢) : الطبع بالسكون : الختم ، وبالتحريك : الدنس ، وأصله من الوسخ والدنس يغشيان السيف ، يقال : طبع السيف يطبع طبعا ثم استعمل فيما يشبه ذلك من الأوزار والآثام وغيرهما من القبائح ، ومنه الحديث « أعوذ بالله من طمع يهدى إلى طبع » أي يؤدى إلى شين أو عيب.
قوله عليهالسلام : « يعيبون على العلماء بالتكليف » أي بسبب أنهم يكلفونهم الطاعات والعدول عن الباطل ، أو يكلفون الخلق ويدعونهم إلى الحق.
قوله عليهالسلام : « والعلماء في أنفسهم خانة » هي جمع خائن أي والحال أن العلماء المحقين خائنون إن كتموه وتركوا نصيحتهم.
قوله عليهالسلام : « إن رأوا » إلخ يحتمل أن يكون جزاؤه فبئس ما يصنعون ، ويكون مجموع جملة الشرط والجزاء تأكيدا للجملة السابقة ، وبيانا لها ، ولذا ترك العاطف بينهما ، ويحتمل أن يكون هذا الشرط بيانا لكتمان النصيحة ، وتفسيرا له ، ويكون قوله : « فبئس ما يصنعون » جزاء لشرط محذوف ، أي إن فعلوا ذلك فبئس ما يصنعون
__________________
(١) سورة النجم : ٢٩.
(٢) النهاية : ج ٣ ص ١١٢.