التحريف في مختلف مجالات وأوجه الدين مجرى الدم من العروق ، وإنفاذ كلّ البدع التي اختلقت في ذلك الزمن لتتحوّل فيما بعد سُنّة نبوية أو حكماً واجباً أو شخصيّة ذات قداسة تفوق كلّ التصورات ، كما اختلق لأهل بدر قوله صلىاللهعليهوآله : لعل الله أن يكون قد اطلع على أهل بدر فقال إعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم (١).
فقلت له : البسملة كما نعرف ، ليست ترقيماً حتّى يتجاوزه الناس ، وإنّما هي آية لها من الشأن ما يندر أن تضاهيه فيها آية أخرى ، فهي تستفتح بذكر ثلاثة من أسماء الله ، وهي : الله ـ الرحمان ـ الرحيم.
قد جعلها الله تعالى مفتتحا ل ١١٣ سورة عدا سورة براءة ، والمسمّاة بالتوبة أيضاً ، لكنّه تعالى ثنّاها في سورة النمل ، فهي السورة الوحيدة التي فيها البسملة مرتين ، واحدة في مفتتح السورة ، والثانية في الآية ٣٠ منها : ( إِنَّهُ مِن سُلَيْمَانَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَٰنِ الرَّحِيمِ ). فهل عميت أعين علماء المالكيّة ومن حذا حذوهم إلى درجة جحدها والقول بأنّها ليست آية كما هو الشأن بالنسبة لأبي بكر الباقلاني وأبي بكر ابن العربي المالكيان اللذان أكّدا أنّها ليست من القرآن (٢).
فقال لي : لقد قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : « كل أمر ذي بال لا يبدأ فيه ببسم الله الرحمن الرحيم أقطع » (٣). وقد أخرج الدارقطني عن أبي هريرة عن رسول الله صلىاللهعليهوآله أنه قال : « إذا قرأتم الحمد لله فاقرأوا بسم الله الرحمن الرحيم إنّها أمّ القرآن وأمّ الكتاب والسبع المثاني وبسم الله الرحمن الرحيم إحداها » (٤). وكان الصحابة لا يعرفون انتهاء سورة وابتداء أخرى إلّا ببسم الله الرحمٰن الرحيم. ومع ذلك تراهم عمدوا إلى تركها وعدم قراءتها في الصلاة.
_________________
(١) صحيح البخاري ٤ : ١٩ وصحيح مسلم ٧ : ١٦٨.
(٢) انظر احكام القرآن لابن العربي ١ : ٥ ـ ٦ ، ونكت الانتصار لنقل القرآن الباقلاني : ٧١.
(٣) الدر المنثور ١ : ٣١.
(٤) سنن الدارقطني ١ : ٣١٠. المستدرك على الصحيحين ١ : ٢٣١.