كنت من عشّاق قراءة القرآن الكريم ، وتلاوته ، وتعهده صباحاً ومساءً ، لا يمنعني من ذلك طارىء أو عارض ، وإنْ تخلّفت عن حصصه حصة تداركتها سريعاً ، فتربّت روحي على روحيّة الوحي ، وتشبّع عقلي بآياته العظيمة ، من خلال تدبري لها أثناء التلاوة والترتيل.
من بين المصطلحات اللافتة في القرآن ، والتي أخذت من اهتمامي مأخذه ، الآيات التي تحدثت عن نسبيّة الفهم والإيمان عند الناس ، فعدد منها أشار إلى حقيقة أفادت بأنّ أهل الحقّ قلّة ، وأنّ أصحاب الإيمان قلّة أيضاً ، وأنّ الوعاة والعارفين وأصحاب الخصال الرفيعة قلّة أيضاً ، حتّى أنّ أتباع الأنبياء الصادقين قلّة ، والصفوة من بيوتات الأنبياء عليهمالسلام هم قلّة القلّة ، ففهمت من خلال القرآن الكريم أنّ أتباع الصراط السويّ الذي جعله الله تعالى منهجاً آمناً للناس قلّة مقارنة بغيرهم ، فقال جلّ من قائل : ( وَقَلِيلٌ مِّنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ ) (١).
( وَقَلِيلٌ مَّا هُمْ ) (٢).
( ... مَّا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ) (٣).
( كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً ) (٤).
ومقابل الثلّة المؤمنة التي حصرها الله تعالى في عدد صغير من الناس ، أظهر لنا الكتاب العزيز معادلة أخرى تمثّلت في أنّ أتباع الباطل كثرة لا تقاس مقارنة بالثلّة المحقّة :
( وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ ) (٥).
_________________
(١) سبأ : ١٣.
(٢) ص : ٢٤.
(٣) الكهف : ٢٢.
(٤) البقرة : ٢٤٩.
(٥) وردت في آيات عديدة منها آية (١٨٧) من سورة الأعراف والآيات ( ٢١ و ٤٠ و ٦٨ ) من سورة يوسف وآية (٣٨) من سورة النحل ، وغيرها.