وتساءلت في نفسي : أهذه هي مودّة القربى التي حثّ عليها المولى سبحانه وتعالى ، وجعلها فريضة من الفرائض التي لا مفرّ للمسلم من التقيد بها ؟ أهكذا أوصى رسول الله صلىاللهعليهوآله بأهل بيته ، وحثّ المسلمين على أدائها ؟ وما السبب الذي دعا بأغلب الأمة إلى التنكّر لتلك المودّة ، بل وعكسها تماماً لتصبح تجاهلاً ثمّ حرباً لا هوادة فيها ؟ ولماذا مورس ضدّ هؤلاء الأطهار كلّ ذلك العنف والإرهاب ، من قتل وتعذيب وسجن ؟
بقيت الإجابة عالقة تحتاج إلى مزيد من البحث والتمحيص ، وبقيت أستجلي أثر الحقيقة من غبار الوهم وحبائل الزيف.
في أحد الأيّام التقيت واحداً من المسلمين الشيعة الذين كنت أعرف عدداً منهم ، ولم تسمح لي فرصة الاقتراب منهم ومحادثتهم ، لعدة أسباب لعل أهمها الشائعات التي تجند أعداؤهم لبثّها في المجتمع ، من أجل إقصائهم ، وحصر حججهم وأفكارهم في أضيق الأطر ، بحيث لا يمكن لها أنْ تجد آذانا صاغية وسط المجتمع.
بدأتُ حديثي معه عندما وجدته في مجلس ختم قرآن لأحد معارفي ، فانتهزت الفرصة لأعرف منه حقيقة مودّة قربى النبيّ صلىاللهعليهوآله عند الشيعة.
فقلت له : وما تقول في مغالاة الشيعة في حبّ أهل البيت رضي الله عنهم ، إلى الإفراط في ذلك والبكاء عليهم ، وإظهار الحزن والجزع على مصائبهم ، إلى درجة إسالة الدماء وتعريض الأنفس إلى الهلاك ؟
فقال لي : إنّ فريضة حبّ أهل بيت النبي صلىاللهعليهوآله مما اتفق جميع المسلمين على وجوبها ، لكنهم تباينوا في العمل بها وتطبيقها ، وجوب مودّة أهل البيت عليهمالسلام كما دلت عليه الآية الكريمة : ( قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ ) (١) لا
_________________
(١) الشورى : ٢٣.