على متمسك غير مأمون من الضلال. والكتاب العزيز لا يمكن أن يقوم بنفسه ; لأنه كتاب لا يستطيع أن يدفع عن نفسه شيئاً من تأويل أو تعطيل فاسدين ، وهو بحاجة إلى من ينطق عنه صدقاً وعدلاً ، كالإمام عليّ عليهالسلام والصفوة الطاهرة من ذريته عليهمالسلام ، تماماً كالسنّة النبويّة المطهرة التي تحتاج إلى حافظ لها ، مسدد من طرف الباري تعالى ، فالقرآن وتوابعه من أحاديث النبيّ صلىاللهعليهوآله المفسرة لمعانيه ومقاصده ، وبقيّة علوم الدين والدنيا ، أوكلها الله سبحانه وتعالى إلى صفوته من خلقه ، وزادهم بسطة فيها ; ليكونوا حججه على خلقه ، والأدلّاء عليه وعلى شريعته وأحكامه. وجاء قوله تعالى في سورة الواقعة : ( إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ * فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ * لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ ) ليشير إلى حقيقة أنّ للكتاب صفوة أورثها الله تعالى علومه المتاحة لمخلوقاته ، وطهّرها ظاهراً وباطناً ، لتكون في مستوى حمل ذلك العبء الثقيل ، وجاء لفظ المسّ مُعبراً عن قدرة الأئمة الهداة على إدراك جميع معاني الكتاب العزيز ، وتحويله من جملة مفاهيم إلى جملة من التطبيقات ، ليتسنى لمن هم دون فهم جميع محتوياته أنْ يتمكنوا من ذلك تيسرا لهم ، وتوجيهاً لمطالبهم التي عجزوا من تلبيتها بمفردهم.
واقتنعت أنّ رواية مالك بقدر ما كان فيها إشارة إلى مصدرين من مصادر التشريع ، بقدر ما كانت فاقدة لسند العمل بها ، بحيث لم تحدّد وجهة طالب الكتاب والسنّة النبويّة ، والباحث عن التمسك بهما ، إلى من يتّجه ؟ وعمّن يأخذ ؟ خصوصاً إذا ما علمنا أنّ تدوين الكتاب والسنّة ، قد جاءا متأخرين عن وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله.
ولمّا لم تثبت مرجعيّة حقيقيّة وجامعة في ذلك العصر ، غير الإمام عليّ عليهالسلام ، الذي كان يقول : « سلوني قبل أن تفقدوني » (١) ، وما استتبعه من إقرار بتلك
_________________
(١) المستدرك ٢ : ٣٥٢
، وقال سعيد بن المسيّب : « لم يكن أحد من الصحابة يقول :