غدير خم بين مكّة والمدينة بالجحفة ، وهي ميقات أهل مصر والشام ، وكان يوماً صائفاً حتّى أنّ الرجل ليضع رداءه تحت قدميه من شدّة الحر ، نزل عليه جبريل عليهالسلام قائلا : ( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ) (١) وأمره بأنْ يُنصّب علياً إماماً وعلماً وهادياً وحاكماً في المسلمين بعده ، فدعى بدوحات فقممن ، ووضع له من الرحال ما صعد عليه ، وخطب في الناس خطبة ، قال في آخرها : معاشر المسلمين ، ألست أولى بكم من أنفسكم ؟ قالوا : اللهم بلى. فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله ، وأدر الحقّ معه حيث دار.
ثمّ أمر صلىاللهعليهوآله الناس بمبايعة أمير المؤمنين عليهالسلام ، فبويع في ذلك اليوم من طرف تلك الجموع ، وكان الخليفة الثاني من ضمن مَن بايعوا عليّاً عليهالسلام ، وقد نقلوا عنه قوله : بخ بخ لك يابن أبي طالب أصبحت مولاي ومولى كل مؤمن ومؤمنة ، ولم ينصرف الناس من ذلك الموقف حتّى نزل قوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) (٢) فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : الحمد لله على إكمال الدين وإتمام النعمة ورضى الربّ بولاية علي بن أبي طالب من بعدي (٣).
وخطبة النبي صلىاللهعليهوآله يوم الغدير هامة وكبيرة تناول فيها تسلسل مراتب الولاية بقوله : إنّ الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم.. مبيّناً أنّ
_________________
(١) المائدة : ٦٧.
(٢) المائدة : ٣.
(٣) للإطلاع على تفاصيل حادثة الغدير يراجع : مسند أحمد ١ : ١١٨ ، ١١٩ ، و ٤ : ٢٨١ ، ٣٧٠ ، المستدرك ٣ : ١٠٩ ، ١١٠ ، ١١٦ ، سنن النسائي ٥ : ١٣٤ ، ١٣٦ ، شواهد التنزيل ١ : ٢٠٠ ، ٢٠١ ، ٢٠٢ ، ٢٠٨ ، تفسير الثعلبي ٤ : ٩٢ ، تاريخ بغداد ٨ : ٢٨٤ ، ينابيع المودّة ٢ : ٢٤٩ ، ٢٨٥ ، وغيرها الكثير الكثير من المصادر.