رابع تلك المذاهب ، هو المذهب الحنبليّ نسبة إلى أحمد بن حنبل ، الذي ولد سنة ١٦٤ هـ وتوفي ببغداد سنة ٢٤١ هجرية ، ودفن بمقبرة باب حرب ببغداد ، عاش في بغداد التي كانت موطن العلوم وقتها ، ومنافسة عنيدة للمدينة المنورة ، صاحب محمّد بن إدريس الشافعي وأخذ عنه.
بعد اطلاعي على تاريخ ولادة فقهاء المذاهب الأربعة ، التي اصطُلح عليها بمذاهب أهل السنّة والجماعة ، تساءلت في نفسي : بماذا كان يتعبّد أهل القرن الأول قبل مجئ أبي حنيفة ومالك ، والثاني قبل مجئ الشافعي والثالث قبل مجئ ابن حنبل ، ولم ينتشر فقه أصحاب تلك المذاهب فيها ؟ ولماذا تُركت بقيّة الفقهاء وأهملت اجتهاداتهم ، وضرب الصفح عن الأساتذة الكبار ، والتُفت إلى تلاميذهم ؟ ولماذا انحصرت المذاهب التي ادّعت اختصاصها بالسنّة النبويّة في أربعة فقط ؟ وهل صحيح أنّ تلك المذاهب ، هي صاحبة النبيّ صلىاللهعليهوآله وسنته الشريفة ؟
أسئلة عديدة جالت في خاطري ، وكانت تبحث عن جواب مقنع لها ، فازددت تشبثاً بمعرفة ما جرى ، وأين تكمن الحقيقة وسط هذا الركام الهائل من الموروثات ، التي اختلطت إلى حدّ التباين والتناقض.
عند تصفحي لما كُتب عن القرن الأول الهجري ، لم أجد لتلك المذاهب أثراً ; لأنّها لا يمكن أنْ تكون سابقة لوجود مؤسّسيها ، ولا كان لها إشعاع أثناء وجودهم ، ناهيك أنّه قد ضُرب منهم من ضُرب ، وعوقب من عوقب من طرف السلطة ، لفتاوى أو اعتقادات ، لم ترق لخلفاء بني العباس ، وقرّب منهم بعد ذلك من قرّب لتوافق طرأ على علاقاتهم ، كما نلاحظ أنّه لم يتمّ العمل بمقتضاها على الوجه الذي نشهده الآن في القرن الذي تلاه.
كما أنّ حصر تلك المذاهب في إطار وضع له
عنوان مُزيّف ، وهو الادعاء بأنّه يمثّل السنّة النبويّة المطهرة ، مدعاة إلى الاستغراب ; لأنّ ذلك لا يعكس حقيقة