« ... فمن كنت مولاه فعلي مولاه ... » (١) وقد كان عمر من أوّل المهنئين لعليّ بالولاية قائلاً : بخ بخ لك يابن أبي طالب ، أصبحت مولاي ومولى كلّ مسلم » (٢).
قلت له : « ولكن هل يعقل أنْ يصدر من عمر ذلك الموقف ، وهو الذي جاءت الروايات معظّمة له ، وقد وضعته في مقام الذي لا غنى للنبيّ صلىاللهعليهوآله عنه ، بل وأكثر من ذلك ، فقد نزل القرآن موافقاً لرأي عمر في عدّة آيات ؟ »
قال : « لقد صدر من عمر مواقف أخرى قبل ذلك ، فيها جرأة وتطاول على النبيّ ، يدلّان على جاهليّة وجهالة لم تفارقا الرجل منذ أسلم.
فقد اعترض النبيّ صلىاللهعليهوآله وجذبه من ثوبه ، ليمنعه من الصلاة على ابن أبي سلول (٣) ، وفي صلح الحديبية عندما إشتدّ في المعارضة ، إلى أنْ استعاذ منه النبيّ صلىاللهعليهوآله (٤) ، وأعتقد جازما أنّ ما أهمله المؤرخون ، وغطّاه الطلقاء ، الذين مهّد لهم عمر سبيل السلطة ، من تجاوزاته وجناياته بحقّ النبيّ صلىاللهعليهوآله والإسلام ، أكثر من أن تحصى ، حتّى أنّ السيوطي أفرد باباً في تاريخ الخلفاء سمّاه أوليّات عمر ، تخفيفا لجرمه بحق الله ورسوله صلىاللهعليهوآله.
أمّا قولك بأنّ القرآن نزل موافقا لرأي عمر ، فذلك ما لم يثبت فيه نص مطلقاً ، وكلّ ما كتب في ذلك المعنى ، كان بأيد بعيدة عن الدين والعلم والأمانة ».
قلت : « لكنّ عقيدتي في أصحاب النبيّ صلىاللهعليهوآله تأبى علي قبول كلامك ؟ »
فقال : « لقد بنيت عقيدتكم على قبول الطعن والنقيصة في النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وعدم قبولها في أبي بكر وعمر وعثمان ، ورفعتم من مقام هؤلاء ، ووضعتم من مقام رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وأهل بيته الكرام ، هذا للأسف الشديد ما نجح فيه معاوية وبنو
_________________
(١) تقدم الكلام عن حديث الغدير في حلقة سابقة.
(٢) مسند أحمد ٤ : ٢٨١ ، تاريخ بغداد ٨ : ٢٨٤ ، واللفظ للأخير.
(٣) صحيح البخاري ٢ : ٧٦ و ٥ : ٢٠٦ ، صحيح مسلم ٧ : ١١٦.
(٤) السيرة الحلبية ٢ : ٧٠٦ ، انظر صحيح البخاري ٣ : ١٨٢.