أميّة وعامّة حزب الطلقاء لعنهم الله ، واستطاعوا بدهائهم وخبثهم وأكاذيبهم ، أنْ يجعلوا من الصحابة بديلاً عن عليّ وأهل بيته عليهمالسلام ، فشجّعوا على الافتراء على النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ووضع الأحاديث الممجّدة والمقدّسة لعدد من الصحابة ، وبذلك جعلوا منهم رمز الإسلام ، فتكوّنت عقيدة تنزيه جميع الصحابة برّاً كان أم فاجراً ، مؤمناً كان أم منافقاً ، ورُفع جميعهم إلى مستوى العدالة ، بل اعُتبروا من الذين لا يُخطئون أبداً ، وقُدّم منهم مَن قُدّم حتّى على النبيّ صلىاللهعليهوآله ، في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، كأحاديث الدف (١) والمزمار (٢) ، وقدّموا من قدّموا حياءه على حياء النبيّ صلىاللهعليهوآله ، بل إنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله لا يستحي إلّا بحيائه (٣) ، وقبلوا صدور ذنب العبوس والتولي من النبي صلىاللهعليهوآله (٤) ، ولم يقبلوه من صحابي ، وردّوا ذلك ، ودافعوا عنه دفاع المستميت.
_________________
(١) سنن الترمذي ٥ : ٢٨٤.
إشارة إلى ما أخرجه الترمذي من حديث الجارية التي نذرت أنْ تضرب بالدفّ بين يدي رسول الله صلىاللهعليهوآله إنْ أرجعه الله سالماً ، فوافقها رسول الله على ذلك النذر ، وأخذت تضرب بالدفّ أمام النبيّ صلىاللهعليهوآله ولم ينهها عن ذلك ، ثمّ دخل أبو بكر ومن بعده عليّ ثمّ عثمان وهي تضرب ولا تبالي ثمّ تقول الرواية : « ثمّ دخل عمر ، فألقت الدف تحت أستها ، ثمّ قعدت عليه ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : إنّ الشيطان ليخاف منك يا عمر ... » ، قال الترمذي : هذا حديث حسن صحيح. ( سنن الترمذي ٥ : ٢٨٤ ) ، إذن فالشيطان يخشى من عمر ولا يخشى من النبي صلىاللهعليهوآله ، والجارية خشيت من عمر ولم تخش من الرسول ، فالرسول يعمل الحرام وعمر يرفض ذلك ولاحول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.
(٢) صحيح مسلم ٣ : ٢١.
أخرج مسلم وغيره عن عائشة قالت : « دخل عليّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيّان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث ، قالت وليستا بمغنيتين ، فقال أبو بكر : أمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلىاللهعليهوآله ، وذلك في يوم عيد ، فقال رسول الله صلىاللهعليهوآله : يا أبا بكر ، إنّ لكلّ قوم عيد وهذا عيدنا » ، صحيح مسلم ٣ : ٢١.
وفي صحيح البخاري ( ٢ : ٣ ) بلفظ : « أمزامير الشيطان في بيت رسول الله » فأبوبكر ينهى عن مزامير الشيطان ، بينما رسول الله صلىاللهعليهوآله يقرّها.
(٣) المعجم الكبير ١١ : ٢٠٣.
(٤) سنن الترمذي ٥ : ١٠٣ ، المستدرك ٢ : ٥١٤ ، والمسألة محلّ إجماع بين مفسّريهم ، انظر تفسير الفخر الرازي مجلد ١١ ، ج ٣١ ، ص ٥٥.