القويم والصراط المستقيم ، الذي انتهجه المصطفون عليهم الصلاة والسلام ، وجعله الله سبحانه وتعالى عنوان التوفيق والفلاح ، وبارك سعي من اتخذه وجهة حاثّاً على العمل بمقتضى ذلك الهدي ، والسير في الحياة طبق ذلك النهج.
ومع وقوفي على هذه الحقيقة التي لا تقبل الشكّ ، ولا تحتمل الطعن ، لاحظت أنّ المجتمع الإسلامي الذي أعيش فيه ، لم يكن يعر هذه المسألة أهميّة تستحقّ الذكر ، بحيث أسقط من عقيدته وثقافته معنى الاصطفاء وغاياته ، فقررت أنْ استقرىء كتاب الله تدبّراً وتفسيراً ، اعتماداً على أمّهات المصادر الإسلاميّة.
وبعودتي إلى كتاب الله وتدبّر آياته ، وجدت أنّ فيه سنناً كونية لا تتبدل مطلقاً ، تتعلق بالوسائط التي جعلها الله سبحانه وتعالى بينه وبين عباده ، والمعبّر عنها بصفوة الخلق ، أولئك الذين تمكّنوا من نيل المكانة والحظوة والرضا من الله سبحانه وتعالى ، بفضل سرعة استجابتهم لأوامره ونواهيه ، وانسجامهم مع أحكامه وعلومه ، وتفوّقهم في عبادته علماً وعملاً ، قال تعالى : ( إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ ) (١). فتقبّلهم الخالق سبحانه وتعالى بقبول حسن ، وأنبتهم نباتاً حسناً ، أهلّهم لأنْ يكونوا عناصر تبليغ عنه ، وهداية الناس لصالح الأعمال وعقبى الدار.
استوقفتني الآية التي في سورة آل عمران ، لما تضمنته من مفردات ، فقد كنت متصوّراً قبل ذلك أنّ الاصطفاء مخصوص بالأنبياء والمرسلين والملائكة ، ولم ألتفت إلى أنّ المسألة تتعدّاهم إلى غيرهم من عناصر التبليغ والهداية ، وتذهب بعيداً حتّى تشمل كلّ هذا الكون من حيث اختيار الأنسب والأصلح.
المفردات التي أشرتُ إليها تتعلق بآل الأنبياء عليهمالسلام الذين ذكرتهم الآية ، وأدرجتهم ضمن قائمة المصطفين ، وتساءلت : هل أنّ آل الأنبياء هم أنفسهم
_________________
(١) آل عمران : ٣٣ ـ ٣٤.