كان يقاطع الرجل فقد هدأت نبرته ، ولاحت على محياه المفاجأة.
أمّا أنا فلم أتمالك من أن أتحرك صوب الرجل ، فجلست قبالته ، وتوجّهت إليه بالحديث قائلا : لقد وقع بيانك في قلبي موقع القبول والرضا ، وقد رأيت أنّ حجّتك لا تقبل الشكّ والطعن ، وظهر لي أنا شخصيّاً أنّ الصلاة على الميّت بخمس تكبيرات أصحّ من تلك التي ورثناها عن آبائنا وأجدادنا بأربع تكبيرات ، لا ندري لها معنى ولا كيفيّة ، لكنّني مع ذلك أتساءل لماذا أقدم عمر على ذلك الاختيار غير الصائب ؟
فقال الرجل : « لم تكن هذه هي المحدثِة الوحيدة التي أقدم عمر على وضعها في أوساط المسلمين موضع النفاذ والإمضاء ، فقد زاد في آذان صلاة الصبح « الصلاة خير من النوم » (١) ولم تكن موجودة على عهد النبيّ صلىاللهعليهوآله ، كما حذف من الآذان الحيعلة الثالثة ، وهي « حي على خير العمل » (٢) وأحدث بدعة صلاة التراويح جماعة بالمسجد (٣) ونهى كذلك عن حجّ التمتع (٤) ، التي تعتبر حجّة الإسلام الأساسية لمن هم خارج مكة ، ولم يعمل بحج التمتع منذ منعه ، فلما مات عاد إليه الناس ، وأقدم على قطع شجرة بيعة الرضوان بدعوى الخوف من أن يعبدها الناس (٥) ، وليس الأمر كذلك ، لأنّها كانت تذكّره بما أحدثه يومها من تمرّد
_________________
(١) انظر المصنّف لابن أبي شيبة ١ : ٢٣٦ ، حيث أخرج خبراً جاء فيه : « جاء المؤذن عمر بصلاة الصبح فقال : « الصلاة خير من النوم « فأعجب به عمر ، وقال للمؤذّن : أقرّها في أذانك » وانظر موّطأ مالك ١ : ٧٢.
(٢) حيث ورد عنه قوله : « ثلاث كنّ على عهد رسول الله صلىاللهعليهوآله ، أنا أنهى عنهنّ وأحرمهنّ ، وهي متعة النساء ، ومتعة الحجّ ، وحيّ على خير العمل » ، انظر شرح المقاصد في علم الكلام للتفتزاني ٢ : ٢٩٤.
(٣) صحيح البخاري ٢ : ٢٥٢.
(٤) صحيح مسلم ٤ : ٤٩ ، مسند أحمد ٣ : ٣٢٥ ، ٣٦٣ ، شرح معاني الآثار ٢ : ٤٦.
(٥) عمدة القاري ، شرح صحيح البخاري ١٩ : ١٧٨ ـ ١٧٩.