ووجه إعجاز القرآن ناشىء من استحالة صدور كلام يشبهه من البشر جميعاً ، حتّى المقرّبون إلى الله تعالى من صفوة خلقه ، قال تعالى : ( أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا ) (١) ، وإذا كان المولى سبحانه وتعالى قد بيّن أنّ كلامه المنزّل على رسوله صلىاللهعليهوآله ، ليس في مقدور أيّ مخلوق الإتيان بمثله ، فمعنى ذلك أنّه كلام متميّز على كلام المخلوقات وتآليفها ، فتتولّد لدينا بذلك قناعة أنّ خشية اختلاط السنّة النبويّة ، أو تفسير الآيات وبيان الأحكام بالقرآن باطلة من أساسها ، ولم يكن يراد بإطلاقها في الوسط الإسلامي ، إلّا لغاية التخلّص من السنّة نفسها ، بما اشتملت عليه من بيان لمحكم ومتشابه ، وناسخ ومنسوخ ، وعموم وخصوص القرآن الكريم ، مضافاً إلى سيرة النبيّ صلىاللهعليهوآله العطرة بالمواقف الهامّة والخلق العظيم.
قلت له : إذاً أنت تتّهم الصحابة بعرقلة دين الله وحصر إشعاعه ، وإهمال سنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله ؟
قال : التهمة لا تتعلّق بجميع الصحابة ، بقدر ما هي ثابتة في عدد منهم ، وأعني بهم أولئك الذين استولوا على الحكم ، انطلاقاً من السقيفة المشؤومة ، لأنّ الذين منعوا تداول تلك الأحكام والسنن ، لم يكن منعهم منطلقاً من حرص على الدين ، أو رغبة في حفظه ; لأنّ إجراء المنع يتعارض مع انتشار تلك الأحكام ، ويتسبب في سرعة تلاشيها وذوبانها ، خصوصاً وقد أثبت عدد من العلماء بالقرآن نفسه ، بطلان خشية اختلاط كتاب الله ، بسنّة نبيّه صلىاللهعليهوآله.
قلت : قد يكون القرار الذي اتّخذه الخليفة عمر ، مدفوعاً بما تناهى إليه من كذب على النبيّ صلىاللهعليهوآله ، فيكون بذلك قد أحسن صنعاً بمنع الكذابين من نشر بهتانهم بين الناس.
_________________
(١) النساء : ٨٢.