قال : قد لا تختلف معي في القول بأنّ أوّل من نادى في أوساط المسلمين ، والرسول صلىاللهعليهوآله مسجى على فراش الموت ، وفي حجرته الشريفة ، بالاستغناء عن السنّة النبويّة المطهّرة والاقتصار على القرآن فقط هو الخليفة الثاني ، فقد اخرج ذلك البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وكذلك بقيّة حفّاظ أهل السنّة والجماعة (١) ، فقد أجمع علماء الإسلام على الإقرار به ، لكنّهم تعلّلوا بأنّ الخليفة عمر لم يكن يقصد التعرّض للنبيّ صلىاللهعليهوآله ، والتطاول عليه وإيذاءه ، بل ظهرت له مصلحة في ذلك ، ولم يبيّنها.
قال : هذا هو التجنّي في حقّ النبيّ المصطفى صلىاللهعليهوآله ، فهل كان الخليفة متّصلاً بالوحي حتّى نطمئنّ إلى موقفه ؟ وهل خرج رسول الله صلىاللهعليهوآله من نبوّته ، حتّى يكون طلبه الذي يعتبر أمراً إلزاميّاً لا تردّد فيه متساوياً مع منع الخليفة عمر ؟ أم أنّ طاعة النبيّ صلىاللهعليهوآله وتقديسه واحترامه وتقديمه ينسخها مرضه ؟ أم أنّ للخليفة عمر مقاماً يسمح له بفعل أيّ شيء ، ومع أيّ شخص مهما كانت مكانته ، حتّى لو كان النبيّ صلىاللهعليهوآله ؟ ولست أدري إنْ كان الخليفة عمر يقرأ القرآن ، وإنْ كان يقرأه لماذا لم يفهم أبسط معانيه ، وإنْ فهم أبسط معانيه فلماذا لم يتقيّد بها ؟ فتعارض موقف الخليفة عمر مع القرآن واضح ، لا يحتاج إلى كثرة استدلال عليه ، فقد حثّ الله تعالى على طاعة النبيّ صلىاللهعليهوآله معتبراً إيّاها شرطاً من شروط الإيمان فقال : ( وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ ) (٢) ونهى بشكل جازم لا يحتمل التأويل عن مخالفته ، فقال تعالى : ( فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (٣).
_________________
(١) تقدّم ذلك في حلقة سابقة.
(٢) النور : ٥٦.
(٣) النور : ٦٣.