وقال أيضا : ( وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (١). وحرّم تعالى مخاطبة النبيّ بمثل ما يتخاطب به الناس ، حفظاً لشخصه ، وصيانة لتكليفه ، فقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ ) (٢).
قلت : لقد أفحمتني بهذه الحجج التي لا يرفضها إلّا معاند ، ولقد اقتنعت بأنّ جرم الخليفة عمر تجاه النبيّ صلىاللهعليهوآله عظيم ، وجناية كبرى محبطة للأعمال لم أجد لها مبرّراً.
قال : ليس هذا فقط ، فأنت تحدّثت عن الجناية بحقّ النبيّ صلىاللهعليهوآله ، وتناسيت الجناية بحقّ الدين عند منعه لرواية أحاديث النبيّ صلىاللهعليهوآله مطلقاً ، ألا يدلّ ذلك على أنّ الرجل كان يعرف جيّداً ماذا كان يقصد ويريد ، ومنطلقاً في تصرّفاته نحو وجهة محدّدة ؟
قلت له : وهل تقصد ما رمى به الشيعةَ الخليفة من أنّه المؤسّس الأوّل لغصب الحكومة من الإمام عليّ رضياللهعنه.
قال : وهل ترى أنّ هنالك أمراً غير ذلك ، وقد بيّن النبيّ صلىاللهعليهوآله في عدد من الأحاديث أنّ الخلافة من بعده تكون لعليّ بن أبي طالب عليهالسلام ، كقوله صلىاللهعليهوآله لعليّ : « أنت وليّ كلّ مؤمن بعدي » (٣). وقوله صلىاللهعليهوآله أيضا : « أنت منّي بمنزله هارون من موسى إلّا أنّه لا نبيّ بعدي » (٤). وقوله صلىاللهعليهوآله : « من كنت مولاه فعليّ مولاه » (٥). وتوّج ذلك بقوله مرارا وتكرار : « تركت فيكم ما إنْ تمسكتم بهما لن تضلّوا بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقا حتّى يردا علي الحوض » (٦)
_________________
(١) التوبة : ٦١.
(٢) الحجرات : ٢.
(٣) سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني ٥ : ٢٦١ ـ ٢٦٤ ، ح ٢٢٢٣.
(٤ ، ٥ ، ٦) تقدّمت هذه الأحاديث في حلقات سابقة.