الذكريات ، بادرني بالسؤال : أما زلت ماركسيّاً يا نور الدين ؟
فقلت له : نعم ، لا زلت كذلك ، إلّا أنّني بدأت أشكّ في مدى عمليّة هذا الفكر ، وفاعليته ، وجدواه ، خاصّة ونحن على أبواب تحوّلات عميقة ، بدأ فيها معتنقوه يسلكون طريق التخلّص منه ، فالاتّحاد السوفيتي حاله اليوم يُنبىء بذلك ، وغداً قد يأتي بما لم يكن في حسبان أحد.
فقال : إنّني لا ألومك على موقفك من الدين ، فقد وجدت أمامك من يحول دونك وبلوغ مصافّه ، لكنّني اليوم أعرض عليك هذا الإسلام الذي بقي غائبا علينا قرون عديدة ..
فقاطعته قائلا : أتقصدُ الإسلام الشيعيّ الذي يعتنقه الإيرانيون وحزب الله ؟
قال : نعم ، ذلك ما أقصده ، وأنت تعرف جيّداً أنّني كنت تابعاً لمدرسة الخلافة ، تلك المدرسة التي باعدت بينك وبين التديّن بفصل الدين عن السياسة والحياة ، حسب معتقدات المذاهب التي تتسمّى بالسنيّة ، وهي مذهب ابن حنبل والشافعي ومالك الذين اقرّوا جميعاً بوجوب الصبر عند جور الحاكم ، وقد نقل ذلك الشيخ أبو زهرة المصري في كتابه المذاهب الإسلاميّة ، استناداً إلى الأحاديث التي نسبت للنبيّ كذباً وافتراء عليه ، منها ما أخرجه مسلم في صحيحه : « من ولي عليه وال فرآه يأتي شيئا من معصية الله فليكره ما يأتي من معصية الله ، ولا ينزعنّ يداً من طاعة » (١).
وقد مثّلت مواقف عبد الله بن عمر بن الخطاب ( رمز التسنّن وراويتهم العدل ) عندما انتفضت المدينة ، بعد أنْ تناهى إلى أهلها استشهاد الإمام الحسين وذريته وشيعته في كربلاء ، وسبي بنات رسول الله على أيدي الطلقاء عليهم لعنة الله والملائكة والمؤمنين ، قمّة الخضوع والخنوع ، فوقف في وجه مواليه مهدّداً
_________________
(١) صحيح مسلم ٦ : ٢٤.