ومتوعّداً كلّ من يخلع بيعته يزيد ، تقول الرواية التي أخرجها البخاري :
« لمّا خلع أهل المدينة يزيد بن معاوية ، جمع ابن عمر حشمه وولده فقال : إنّي سمعت النبيّ صلىاللهعليهوآله يقول : ينصب لكلّ غادر لواء يوم القيامة ، وإنّا قد بايعنا هذا الرجل على بيع الله ورسوله ، وإنّي لا أعلم غدراً أعظم من أنْ يبايع رجل على بيع الله ورسوله ، ثمّ ينصب له القتال ، وإنّي لا أعلم أحداً منكم خلعه ، ولا بايع في هذا الأمر ، إلّا كانت الفيصل بيني وبينه » (١).
وتحرّك مسرعاً في الموقف الثاني إلى والي المدينة ، ليعلن براءته من ثورة أهل المدينة ، وبقاءه على طاعة يزيد لعنه الله ، تقول الرواية التي أخرجها مسلم :
« جاء عبد الله بن عمر إلى عبد الله بن مطيع [ وكان والياً ليزيد على المدينة ] حين كان من أمر الحرّة ما كان زمن يزيد بن معاوية ، فقال : اطرحوا لأبي عبد الرحمن وسادة.
فقال : إنّي لم آتك لأجلس ، أتيتك لأحدّثك حديثاً سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقوله ، سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآله يقول : من خلع يداً من طاعة ، لقي الله يوم القيامة لا حجّة له ، ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية » (٢).
أمّا الموقف الثالث فهو أفظع وأدهى ، فقد جاء إلى الحجّاج مهرولاً بعد أنْ رأى ما صنع بعبد الله بن الزبير ، وطلب تجديد البيعة فأراد الحجّاج الإمعان في إذلاله ، فمدّ إليه رجله وقال : « بايع هذه فإنّ يدي مشغولة » (٣) ، وبايع ابن عمر الحجاج من رجله.
وقد التصقت سمة الخنوع والخضوع والطاعة للظالمين ، بحيث لم تفارق ذلك
_________________
(١) صحيح البخاري ٨ : ٩٩.
(٢) صحيح مسلم ٦ : ٢٢.
(٣) انظر الكنى والألقاب ١ : ٣٦٣.