فقال : إنّنا أمام خبرين أحدهما رواية والآخر دراية ، فخبر أنّه اليوم الذي أنجى الله فيه موسى وأنّ اليهود يصومونه تبرّكاً به ، ليس له أصل في الواقع ; لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوآله ليس له مصدر لاستقاء معلوماته غير الوحي فلم يؤثر عنه أنّه اتّبع يهوديّاً أو نصرانيّاً في مسألة من المسائل ، ويكفي الرواية وهنا وبطلاناً أنّ اليهود لا يعتمدون التقويم القمري ، ولو قدّر للرواية صحّة ، ووافق ذلك اليوم يوم العاشر من المحرّم فانّه لا يتّفق قطعاً مع بقيّة الأعوام ; لنقص تعداد السنة القمريّة عن السنة الشمسيّة ، ومنه يتضح حال الخبر القائل بأنّه اليوم الذي أنجى الله فيه عشرة أنبياء منهم نوح وإبراهيم ، النبيّ الأكرم صلىاللهعليهوآله وأهل بيته الطاهرين عليهمالسلام ، أولى باللطف الإلهي والعناية الربانيّة ، فإنّ خبر استشهاد الإمام الحسين عليهالسلام ، وخيرة أهل بيته عليهمالسلام وأصحابه رضوان الله تعالى عليهم ، يوم عاشوراء خبر دراية ; لذلك اعتمد المسلمون الشيعة على الدراية ، ورأوا التعامل مع ما هو قطعيّ الدلالة على اتّباع الظنّ ، والتعبّد بالموضوعات التي اختلقها الطغاة ، من أجل التغطية على جرائمهم.
قلت له : فلماذا كلّ هذا الحزن على الحسين بن علي رضياللهعنه ؟ ألا يكفي ما أظهره عليه أهله وأتباعه عند موته ؟ ألا يعتبر ذلك من البدع المنسوبة للشيعة ؟
فقال لي : قد لا تختلف معي إذا قلت لك إن الإمام الحسين عليهالسلام هو ريحانة النبي صلىاللهعليهوآله (١) ، وقد لقبّه هو وأخوه الحسن بن علي عليهماالسلام بسيدي شباب أهل الجنة (٢) ، وهو خامس أصحاب الكساء الذين نزلت فيهم آية التطهير التي تقول : ( إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ) (٣) وقد نسبه النبيّ
_________________
(١) صحيح البخاري ٤ : ٢١٧.
(٢) سنن الترمذي ٥ : ٣٢١ ، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة ٢ : ٤٢٣ ، ح ٧٩٦.
(٣) الاحزاب : ٣٣.