الحسين عليهالسلام ، قد حقّق نصراً لم يتسنّى لمن سبقه في ميدان بذل النفس في سبيل الله تعالى ، بحيث حقّقت نهضته المباركة ما كان يؤمّله من يقظة شاملة ، أوقفت الأمّة على حقيقة كانت غافلة عنها ، وتمثّلت في أنّ الأرض حلبة صراع بين الحقّ والباطل ، وكلّ تخاذل من جانب أتباع الحقّ يقابله تطاول من جانب الباطل ، فلا يمكن للدين أنْ تقوم له قائمة وأتباعه متخاذلون متواكلون ينحى بعضهم باللائمة على بعض ، وقد فرّطوا في أسباب عزّتهم ، ورضوا بالمذلّة والمهانة تحت تيه الظلم والظالمين ، ومن لا أهلية له في قيادة الأمّة الإسلامية.
أمّا بالنسبة إلى ثورة عبد الله بن الزبير ، فإنّها لم تكن بذات الصفات التي عليها ثورة أبي عبد الله الحسين عليهالسلام ، لأنّ ابن الزبير كانت له أطماع في نيل السلطة ، فقد توثّب مع خالته يوم الجمل يريد الفتنة ، وقتل بسبب ذلك آلاف المسلمين ، ولمّا انهزم وقبض عليه ، عفا عنه الإمام عليّ عليهالسلام ، ومع ذلك بقيت في نفس ذلك الرجل أحقاد ورثها عن خالته ، فلم يشكر اليد التي أنقذته من الموت ، وقابلها بالامتناع عن الصلاة على النبيّ صلىاللهعليهوآله أيام استيلائه على مكّة ، فمكث أربعين جمعة لا يصلي عليه ، فلما سئل عن سبب إحجامه عن ذلك قال : إن له أهيل سوء ينغضون رؤوسهم عند ذكره » (١). فظهر من خلال ذلك ، بغض الرجل لأهل بيت النبيّ صلىاللهعليهوآله ، ومن أبغضهم فهو منافق باتّفاق عقلاء المسلمين ، لقول عليّ عليهالسلام نقلاً عن النبيّ صلىاللهعليهوآله : والذي فلق الحبّة ، وبرأ النسمة ، إنّه لعهد النبيّ الأميّ صلىاللهعليهوآله إليّ ، أنْ لا يحبّني إلّا مؤمن ، ولا يبغضني إلّا منافق (٢). ولو كان الرجل فقيهاً عارفاً ، لما التجأ إلى البيت الحرام ، وكان السبب في انتهاك حرمتها ، وقذفها بالمنجنيق وسفك الدماء فيها ، وقد أشير على أبي عبد الله الحسين عليهالسلام بالبقاء في بيت الله الحرام ;
_________________
(١) تقدّم في حلقة سابقة.
(٢) صحيح مسلم ١ : ٦١.