أنّ الإسلام لم يأخذ
مسألة الحكومة بعين الاعتبار ، لا من حيث مبدأ التعيين ، ولا من حيث شروط الاختيار ، وقد ترك أمرها للناس شورى بدليل قوله تعالى : ( وَأَمْرُهُمْ شُورَىٰ بَيْنَهُمْ
وَمِمَّا )
(١) وقوله أيضا : (
وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ )
(٢). لكنّ عقلي رفض أنْ يتقبّل فكرة الأستاذ
، في ترك مسألة الحكومة الإسلاميّة للناس ، فرفعت يدي إليه ، ولمّا أذن لي في الكلام قلت له : إذاً ، يمكن القول بأنّ
الدين الإسلاميّ ، لا يملك في منظومته التي صرّح الوحي بتمامها وكمالها ، في قوله تعالى : ( مَّا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِن
شَيْءٍ )
(٣) وقوله : (
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ )
(٤) نظاماً للحكم فيه ؟
ممّا يعتبر متناقضاً مع البيان الذي صرّحت به الآيتان. فردّ علي الأستاذ قائلا : للأسف الشديد
أن الاعتقاد بفصل الدين عن أداة الحكم ، يتناقض مع تمام الدين وكماله وشموليّته ، إلّا أنّنا عندما نتناول
بالقراءة والتحليل مرحلة ما بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله
، نجد أنّه لم يثبُت نصّ واضح وصريح تعلّق بنظام الحكم في الإسلام ، سوى ما جاء من تطبيق لمبدأ الشورى ، مُجسّداً في حادثة سقيفة بني ساعدة ، والتي انبنى على أساسها نظام الخلافة الإسلاميّة. قلت : إلّا ترى أن هذه القراءة قد
تأسّست على نمط تبريري لأحداث قد وقعت ، ونُظر إليها على أساس أنّها انعكاس صحيح لمفهوم الحكومة الإسلاميّة ؟ قال : هذا ممّا أوحت به الأحداث التي
أعقبت وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله
، والتي لم تترك مجالاً للقول بأنّ التشريع قد ترك نظام حكم إسلامي واضح المعالم ، وفي غياب الأدلة الواضحة على نمط الحكومة الإسلاميّة ، اُعتمد على اجتهادات السلف _________________ (١) الشورى : ٣٨. (٢) آل عمران : ١٥٩. (٣) الأنعام : ٣٨. (٤) النحل : ٨٩.