القائمين بها ، لا يملك من التعقّل والإنصاف شيئا ; لأنّ الدلائل التي وردت في كتب التاريخ تؤكّد مظلومية هؤلاء الثوّار وإصرار الخليفة على عدم الاستجابة لهم في مطالبهم التي تقدّموا بها إليه والتي كان فيها الإمام عليّ عليهالسلام وسيطاً بين الطرفين ، ولمّا يئس المسلمون من إمكانية الإصلاح ، عادوا فحاصروا بيت الخليفة مدّة تجاوزت الأسبوعين ، على مرأى ومسمع ومشاركة من وجوه الصحابة كعمار ابن ياسر الذي شمله النبيّ صلىاللهعليهوآله بقوله : « أبشروا فإن آل ياسر ، موعدكم الجنّة » (١) ، ولو كان الأمر كما حاول تصويره لنا أتباع خطّ الخلافة ، من استضعاف ومظلمة للخليفة الثالث ، لوجد أنصاراً أشدّاء في المدينة ، كالإمام عليّ عليهالسلام ، وشجعان بني هاشم رضوان الله تعالى عليهم ، وأكثريّة الصحابة الذين ما زالت تعجّ بهم المدينة ، ولما بقي الرجل محاصراً تلك المدّة ، ولما قتل تلك القتلة ، ولما بقي في بيته ثلاثة أيّام ، ولما دفن ليلاً على عجل ، وفي مكان لم يسبق للمسلمين أنْ دفنوا موتاهم فيه ، بعد أنْ أصرّ من بالمدينة من صحابة على عدم دفنه في البقيع (٢).
الغريب أنّ من ظهر مطالباً بدم عثمان ، كعائشة كانت ممّن ألّب المسلمين عليه ، فهي التي قالت كلمتها الشهيرة : « اقتلوا نعثلا فقد كفر » (٣). وكالزبير وطلحة الذين كانوا مع الثوار (٤) ، لذلك يمكن القول بأنّ مطالبتهم بدم عثمان من عليّ عليهالسلام وأصحابه ، لم يكن إلّا وسيلة قذرة للوصول إلى إزاحة الإمام عليّ عليهالسلام ، وتسلّم الحكم بعده.
_________________
(١) كنز العمال ١١ : ٧٢٧.
(٢) انظر ذلك في تاريخ المدينة ١ : ١١٣ ، تاريخ الطبري ٣ : ٤٣٨ وما بعدها ، الاستيعاب ٣ : ١٠٤٧ ، المعجم الكبير ١ : ٧٩ ، مجمع الزوائد ٩ : ٩٥ وغيرها الكثير من المصادر.
(٣) تاريخ الطبري ٣ : ٤٧٧ ، الكامل في التاريخ ٣ : ٢٠٦.
(٤) راجع سير أعلام النبلاء ١ : ٣٤.