ولولا تعيين الخليفة الثاني لطلحة والزبير في شورى الستّة المزعومة ، لكانت أطماعهما أقلّ حدة ، ولما خلعا بيعتيهما وانساقا بولديهما وراء مطلب خطير تسبّب في تمزيق أوصال الأمّة إلى اليوم ، فقد أخرجا عائشة على جمل وهي المأمورة بأنْ تقرّ في بيتها ، من مكّة إلى البصرة في محاولة خبيثة لاستنفار الأعراب من حول مكّة والمدينة ، فمن من هؤلاء يسمع بخروج ( أمّ المؤمنين ) فلم يبادر إلى سيفه وراءها ؟
وأمّا زعيم الطلقاء معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله ، قد بنى ملكه على مهل ، وتصرّف في الشام وفلسطين تصرّف المالك ، بفضل إقرار عمر له عليهما ، بعد أنْ كان عيّنه الخليفة الأوّل قائداً للجيش الفاتح لبلاد الروم.
فإذا تهاوت نظريّة الشورى بمعاول مؤسّسيها ، وتركت وراءها أثرين خطيرين ما تزال الأمّة الإسلاميّة تعاني من نتائجهما الخطيرة على الدين والأمّة الإسلاميّة هما :
الأول ـ تحوّل وهم الشورى ( لأنّ ما وقع إدراجه ضمن إطار شورى الحكم بعد وفاة النبيّ صلىاللهعليهوآله ، لم يجسّد حقيقة الشورى حتّى في أبسط مفاهيمها ) إلى ملك غاشم ظلوم خلال فترة قصيرة جدّاً من خوض تلك التجربة.
الثاني ـ فصل الدين عن دوره في الإشراف على كلّ أوجه الحياة ، وتسبّبت تلك الأحداث في فصل الدين عن السياسة خصوصاً والحياة عموماً.
ومقابل الرأي الذي ادّعى إهمال النبيّ صلىاللهعليهوآله لأمر الحكومة
الإسلاميّة ، تاركاً شأنها للناس ، جاءت عقيدة أهل البيت عليهمالسلام
، لتعكس الواقع الصحيح لحكومة الإسلام بعد النبيّ صلىاللهعليهوآله
، وهو عدم ترك ذلك المنصب الحسّاس والخطير ، والذي يتوقف عليه مصير الدين بكافّة تشريعاته ، وبقاء مؤسّساته وتماسك مجتمعه ، فإنّ التعيين لمن سيكون وليّ أمور المسلمين من بعد مرحلة النبوّة أمراً لازماً تحتّمه