أنّ بداية التزامي بالإسلام لم تكن متأخّرة ، فإنّني لم أكن فيها بذلك النضج والفهم الذي أصبحت عليه منذ مدّة ، وذلك عائد تحديدا إلى خصلة ميّزت شخصيتي ، تمثّلت في حبّي للمعرفة ، وولعي باستشراف الحقائق والتطلّع إليها ، مهما صَغُرت وتضاءلت من حيث قيمتها ; لذلك بنيت عقلي على عدم الخضوع لفكرة إلّا إذا اجتمعت لديّ قرائنها ، ووقفت على مدى صحّتها.
اهتممت في البداية بالتاريخ الإسلاميّ ، فوجدته مؤلفاً تأليفاً غلب عليه الطابع الانتمائي على المستويين المذهبي والعرقي ، جاء محتواه مؤرّخا للخلفاء والملوك ، متجاهلاً العناصر المؤثّرة التي صنعت الأحداث الرائعة في الأزمنة التي خلت ، وهي طبقات الناس الفاعلة في حركة التاريخ ، وفئات الرجال الذين قدمهم الله سبحانه وتعالى أمثلة ونماذج يمكن للبشريّة أنْ تحتذي حذوها.
كنت مولعاً بالكتب إلى أبعد حد ، فلم يمنعني مانع من مطالعة أي كتاب ينال إعجابي ، وتتبعت مكتباته ومعارضه ، إلى درجة أنفقت فيها جزءاً هامّاً من أموالي ، ودفعني عشقي للكتاب إلى أن أجعل جلّ نفقاتي متّجهة إليه ، فلم التفت إلى بقيّة متطلبات الحياة ، إلّا بشحُّ وتقتير كبيرين.
عند اقتراب موعد افتتاح المعرض الدولي للكتاب ، الذي يلتئم بالعاصمة التونسيّة ، اتّفقت مع أحد الأصدقاء على الذهاب إليه ، على متن سيّارته الخاصّة ، فوافق على مقترحي ; لأنّه هو أيضاً من المولعين باقتناء ومطالعة الكتب ، ومواكبة النهضة الثقافية العالميّة على وجه العموم ، والإسلاميّة على وجه الخصوص.
في إحدى دور النشر المشرقيّة المشاركة ،
استقطبت اهتمامي عناوين كتب مصفّفة على رفوف العرض في جناح تلك الدار ، لم تترك لي مجالا لتجاوزها والبحث عن غيرها ، فمددت يدي لتصفّح أوّلها ، وهي الصحيفة السجاديّة للإمام زين العابدين عليهالسلام
، فانبهرت بما بين دفّتي الكتاب من جوامع الكلم ، وعظمة