حفظ التشريع الإسلاميّ ، ووجوب التعيين فيها على الله تعالى ، ضرورة تطلبتها مرحلة ما بعد النبوّة ، وبيان ذلك على النبيّ صلىاللهعليهوآله واجب ، يندرج في إطار التبليغ الموكّل به ، وقد نصّ المولى على ذلك ، وبلّغ نبيّه صلىاللهعليهوآله الأمّة ، ونصّب عليّاً عليهالسلام في منصرفه من حجّته المعروفة بحجّة الوداع ، يوم الثامن عشر من ذي الحجة من السنة العاشرة من الهجرة ، في موضع يسمّى غدير خمّ ، قبل أسابيع قليلة من وفاته صلىاللهعليهوآله ، وقد قام قبل ذلك بنفسه بتهيئة وإعداد الإمام عليّ عليهالسلام لتلك المهمّة الجسيمة ، فربّاه وعلّمه ورعاه وأحاطه بعنايته الفائقة ، ممّا أثار حفيظة المناوئين ، وأشعل حسد وبغض عدد من الصحابة لعليّ عليهالسلام ، ولمّا رأى النبيّ صلىاللهعليهوآله على وجوه الناس ومن خلال أفعالهم ما قذف به صدأ قلوبهم من كراهيّة وحسد وحقد على عليّ وأهل بيته عليهمالسلام ، حذّرهم تحذيراً شديداً في أكثر من مناسبة ، وبعد كلّ ظهور لذلك الإحساس البغيض ، من ذلك أنّه قال لبريدة الأسلمي : « لا تقع في عليّ ، فإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي ، وإنّه منّي وأنا منه ، وهو وليّكم بعدي » (١) وزوّجه سيّدة نساء العالمين عليهاالسلام ، بعد أنْ ردّ كلّ من طلبها للزواج ، عندما جاءه أمر الوحي بذلك ، وقال صلىاللهعليهوآله : « لو لم يكن عليّ ، لما كان لفاطمة كفؤ » (٢) وهو الوحيد الذي لم يتأمّر عليه أحد عدا النبيّ صلىاللهعليهوآله ، بينما تأمّر هو عليهالسلام على البقيّة من الصحابة في مواطن عديدة ، وأمر صلىاللهعليهوآله بغلق كافّة الأبواب المشرّعة على المسجد إلّا بابه وباب عليّ وفاطمة ، وقد احتجّ منهم من احتجّ على ذلك القرار لكنّه أجابهم بأن الله سبحانه وتعالى أمره بذلك (٣) ، وعزل ابن أبي قحافة من إمارة الحجّ وإرسال عليّ عليهالسلام بدله أميراً دليل على أنّ مسألة الإمارة لا يصلح لها أحد
_________________
(١) مسند أحمد ٥ : ٣٥٦ ، وانظر سلسلة الأحاديث الصحيحة ٥ : ٢٦٢.
(٢) مقتل الحسين للخوارزمي : ١٠٧ ، ينابيع المودّة ٢ : ٢٨٦ ، واللفظ للأوّل.
(٣) سنن النسائي ٥ : ١١٨ ، مسند أحمد ١ : ١٧٥ و ٤ : ٣٦٩ ، المستدرك على الصحيحين ٣ : ١٢٥.