لماذا ظلمت ؟
أمّا لماذا ظلمت الزهراء عليهاالسلام ؟ وهي على تلك المنزلة الرفيعة والمكانة الخصّيصة ، فهل يعقل أنْ تنسى مكانة الزهراء عليهاالسلام ، حتى يتعامل معها بذلك الأسلوب المخزي ؟ السبب متعلق كما أشرنا بمسألة حسّاسة ، وهي الحكومة الإسلامية ، والتي هي على ارتباط وثيق بزوجها أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليهالسلام ، والنصوص المشيرة إليه عديدة ، ومكانته من النبي صلىاللهعليهوآله واضحة ، وتفانيه من أجل إعلاء كلمة الله تعالى لا ينكره إلّا معاند ، لذلك لم تكن ردود أفعال الغاصبين تجاه أصحاب الحقّ إلّا دليلا على أحقيّتهم ، ولو لم يتعامل الغاصبون مع أهل البيت عليهمالسلام بكلّ تلك القسوة والفضاضة لما أمكنهم أنْ يحافظوا على الحكم ، لأنّهم يُدركون جيداً من يواجهون ، ومن هو صاحب الحقّ في سياسة الأمّة الإسلامية بعد النبي صلىاللهعليهوآله.
احتجاجها عليهاالسلام
لم تبقَ فاطمة الزهراء عليهاالسلام مكتوفة اليدين ، بعدما تناهت إلى أسماعها أنباء استيلاء الغاصبين على الحكم ، وتجاهل حقّ الإمام علي عليهالسلام في قيادة الأمّة الإسلامية بعد النبي صلىاللهعليهوآله ، فخرجت عليهاالسلام ليلاً مع زوجها أمير المؤمنين عليهالسلام ، تستحث الأنصار على بيعة سيّد الوصيين عليهالسلام ، وتذكّرهم حقّه الذي خصّه الوحي به ، إلّا أنّ بيعة القوم كانت قد انعقدت للغاصبين ، وأحجم أكثر الناس عن خلع بيعتهم ، لأسباب مختلفة منها ما هو متعلق بالخوف ، ومنها ما يتصل بطبيعة أولئك الممتنعين ، ومنها العامل الزمني الذي استغله الغاصبون لصالحهم على الوجه الذي ثبتت فيه أمورهم. لذلك لجأت عليهاالسلام إلى أسلوب آخر من إقامة الحجّة ، فطالبت بحقّها في ميراثها من أبيها صلىاللهعليهوآله ، فكذب الغاصبون للحكم عليها ، وادّعوا أنّ النبي صلىاللهعليهوآله قد قال : « إنّا معاشر الأنبياء لا نورث » (١). فخطبت في الرد على تلك
_________________
(١) التمهيد لابن عبد البر ٨ : ١٧٥.