فإنّها بذلك فنّدت مزاعم البغاة من أنّ النبي صلىاللهعليهوآله لا يورث من جهة ، وأنّه قد ترك وصيته لأهله وأمته من جهة أخرى ; لأنّ النبي صلىاللهعليهوآله أوّل المكلفين والمطبقين للأحكام النازلة عليه ، ووجوب الوصيّة غير خاف في هذه الآية ، وحثّ رسول الله صلىاللهعليهوآله على القيام بها ، جاءت به عدّة من الروايات ، فلا تصح دعوى ترك الوصية عند من أطلقها ، لأنّها عارية عن الدليل ، وأدلّة إثبات الوصيّة قد بلغت من القوّة ما دفع بالمنكرين إلى مزيد من الكذب على الله تعالى ورسوله صلىاللهعليهوآله ، فلم يزدهم ذلك من الله إلّا بُعدا.
لكنّ البغاة على حقّها لم ينثن عزمهم ، ولا فتر جهدهم في منعها حقّها ، فتمسّكوا بالرواية المكذوبة ، وأصرّوا على إنفاذها إصراراً عجيباً ، ولمّا لم تجد منهم آذاناً صاغية ، رجعت لتطلب نحلتها في فدك التي نحلها إياها والدها بعد فتح خيبر ، وهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا رجال ، ونزل جبريل عليهالسلام بقوله تعالى : ( وَآتِ ذَا الْقُرْبَىٰ حَقَّهُ ) (١). وأمره أنْ يعطي فدكاً لفاطمة عليهاالسلام ، فكانت تحت يدها على عهده صلىاللهعليهوآله ، فلمّا توفي افتكت منها ، ولم يرجعها إلى ذريتها إلّا عمر بن عبد العزيز الأموي الذي أراد الله تعالى أن يُتمَّ كشف الحقيقة على يديه ، وفضح أكذوبة ابن أبي قحافة وصاحبه وعصابتهما.
لكنّنا مع إثبات الزهراء عليهاالسلام لحجّتها بالكتاب العزيز ، وبقوّة الدليل ، نستهجن أنْ تترك الأمّة حجّة فاطمة الزهراء عليهاالسلام ، التي أذهب الله تعالى عنها الرجس وطهّرها تطهيرا ، لتستأنس بإعادة الخليفة الأموي لحقّها في فدك إلى ذريتها من بعدها ، فهل قصرت شخصيتها المباركة الطاهرة حتّى يلتفت إلى إثبات غيرها ، وتصديقها من ذلك الطريق ، وقد نزل في خصوصها ما نزل ، وقال فيها النبي صلىاللهعليهوآله ما قال ؟ ومنذ متى كان لذلك البيت الذي ينفق من الخصاصة ، ويعطي من القلّة ،
_________________
(١) الإسراء : ٢٦.