« نحن أحقّ بالشك من إبراهيم » (١) وجعلوا موسى بن عمران عليهالسلام في مرتبة لا يرضاها إلّا الأشرار والصعاليك ، بضربه لملك الموت وفقىء عينه (٢) ، وان بني إسرائيل ادّعوا عليه أنّ به عاهة ، فبرّأه الله سبحانه وتعالى بأن أخرجه من مغتسله عرياناً يجري وراء حجر هرب بثيابه ، حتى أوقفه أمام بني إسرائيل ، ووقفوا على خطأ دعواهم (٣) ، تصوّروا إنْ أمكن لكم ذلك ، ولا أراه ممكناً ، إذ كيف يمكن أن يكذّب خليل الرحمان ، أو يشكّ في دينه ، او يمكن لنبي مهما أوتي من قوّة أنْ يفعل شيئاً مع ملك من ملائكة الله ، أو أنْ يفرّ حجر جامد بثياب نبي لتبرئته ممّا ألصق به ، كأنّما تلك هي السبيل الوحيدة للتبرئة ؟ هل يعقل أن ينبري حافظ إلى نقل ترّهات كهذه ليقول بعد ذلك إنّها أصحّ الروايات ، وإنّ كتابه أصح الكتب ، ونحمل عنه ذلك محمل التصديق والتعبّد دونما نظر ولا رويّة ولا تفحص ..
أمّا بالنسبة للنبوّة عموماً ، فقد كنت معتقداً كما هو حال جميع العوام ، أنّ الأنبياء عليهمالسلام كلّهم غير معصومين في ما عدا الوحي ، وقد ذكر من تسمّوا بسنّته كذباً وتلفيقاً وبهتاناً ـ وخرجوا منها عمليّاً وفعليّاً بما ألزموا به أنفسهم من هذه الخزايا والترّهات ـ جملة من الروايات التي عدّدت أخطاءه ، أغلبها لا تجوز على البسطاء فضلا عن الأنبياء عليهمالسلام ، وباعتباري كنت سنّياً مالكيّاً ، فقد تعبّدت بتلك العقيدة رغم شكّي في صحّة صدورها ، لا أجد مفرّاً منها إلى غيرها ولا بديلاً عنها ، للاعتقاد السائد عند أغلبية أبناء ذلك الخطّ ، بأنّ الإسلام هو ما في حوزتهم ، بعدما وصف أوائل صانعي عقيدتهم كالأشعري ونحوه ، بقيّة المسلمين بصفات ونعوت شتّى ، تنفر النفس المحترمة منها.
_________________
(١) المصدر نفسه : ٥ / ١٦٣.
(٢) المصدر نفسه : ٢ / ٩٢.
(٣) المصدر نفسه : ٤ / ١٢٩.