إعفاء عدد من الأحكام التي عليها مدار الشريعة ، وبها يقوم الدين وتتفاعل تركيبته ، كمسألة الحكومة الإسلامية التي مرّت على كثير من المسلمين ، ولم يجدوا لها صيغة يطمئنون لها. والطريقة التي اعتمدها هؤلاء التحريفيون ، تعتمد قطع الرواية أو الحديث ، وإسقاط بعض الكلمات التي تحتوي على بيان أمر هام أراد النبي صلىاللهعليهوآله إبلاغه للمسلمين ، وفي رواية ابن عباس ما يوضح ذلك حيثُ أخذ أبو داود قال : حدثنا سعيد بن منصور ، ثنا سفيان بن عيينة ، عن سليمان الأحول ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس ، أنّ رسول الله صلىاللهعليهوآله أوصى بثلاثة فقال : « أخرجوا المشركين من جزيرة العرب ، وأجيزوا الوفد بنحو مما كنت أجيزهم » قال ابن عباس : وسكت عن الثالثة أو قال : فأنسيتها وقال الحميدي عن سفيان : قال سليمان : لا أدري ، أذكر سعيد الثالثة فنسيتها أو سكت عنها (١).
بل إنّ في الرواية شكَّ في إسقاطين ، إسقاط نُسِب إلى ابن عباس ، وإسقاط آخر نسبه ( سليمان ) أحد الرواة لنفسه. وباعتبار أنّ ابن عباس من أتباع علي وأهل بيته عليهمالسلام ، وذلك ثابت من خلال سيرة الرجل وتعامله مع ابن عمّه ، وتعامله مع ابنه الحسن السبط سيّد شباب أهل الجنة عليهالسلام ، ولم ينفك عن دأبه ذلك ، لإيمانه العميق بأحقيتهم في قيادة الأمة الإسلاميّة بعد النبي صلىاللهعليهوآله ، فنسيانه لأمر يعلمه ، وهو من الأهمية للإسلام والمسلمين بمكان لا يقبله عاقل ، كما أنّ السكوت عن الوصيّة الثالثة ، والذي نُسب للنبي صلىاللهعليهوآله ، لا يتفق وتكليفه في البلاغ والنصح ، وهو الذي يقرئه الله تعالى الوحي بطرفيه الإعجازي والتفسيري فلا ينساه ، قال تعالى : ( سَنُقْرِئُكَ فَلَا تَنسَىٰ ) (٢). لذلك تولد لدي قناعة بدأت تتقوى يوماً بعد يوم ، من أنّ مسألة الحكومة الإسلامية لا يمكنها أن تخرج عن احتمالين :
_________________
(١) سنن أبي داود ٢ : ٤١.
(٢) الأعلى : ٦.