تقريره نظراً لصغر سنّي ، ولمّا كبرت ، بدأت الكثير من الاسئلة والاستفسارات تتوارد عليّ حسب الحدث والظرف.
من ذلك مثلاً ، أنّني كلّما مررت بآية الوضوء في سورة المائدة ، تساءلت عن حقيقة تفسيرها ، إنْ كانت تحتاج إلى تفسير ؟ حتّى قلت في نفسي يوماً : تُرى هل كانت الغاية من قوله تعالى ( وَامْسَحُوا ) هي قوله ( اغْسِلُوا ) ، وطالما أنّ الآية في ظاهرها تفيد مسح الرجلين فلماذا نغسل أرجلنا ؟ ومن أين فهم الأوائل حكم غسل الرجلين ، والآية لا تفيد ذلك أبداً ؟ بل هي تفيد المسح ، وعلمْ النحو والإعراب جاءا متأخرين جدّاً عن تلك الفترة ؟ وحتّى الإعراب الذي ذكره الرازي في تفسيره الكبير ، وفصلّ فيه القول على القراءتين النصب والجرّ لآية الوضوء ، خرج بنتيجة أنّهما يفيدان المسح.
بقيت على ذلك الترقّبُ والتردّد ، إلى
أنْ عدت يوماً إلى بيت العائلة في قرية من قرى الجنوب التونسي ، فوجدت والدتي بصدد البحث عن وثائق تخصّ والدي المتوفى رحمهالله
فرأيت كُتباً مخطوطة كان والدي يحتفظ بها في عناية تامّة بأحد الصناديق المقفلة ، تناولت تلك المخطوطات فوجدت من بينها كتاب موطأ مالك صاحب المذهب الذي كنت أنتمي إليه ، ودفعني الحرص على اكتشاف خيط من الحقيقة أنْ أبحث فيه عن شي يمكن أن يفيدني في تساؤلي ، ويرفع عنّي حيرتي بخصوص حكم مسح الرجلين في الوضوء ، وبعسر شديد بدأت أبحث فيه نظراً لصعوبة قراءة الكتابة التي كانت جميلة ولكنّها غير واضحة بالنسبة لي ، إضافة إلى حرصي على عدم الإضرار بأوراق الكتاب القديمة أثناء تصفحي لها ، بعد المقدمة وصلتُ إلى كتاب الطهارة ، وكان متصدّراً للكتاب ، وكانت المفاجأة متمثلة في عثوري على تعليق لا أدري من كتبه ، يقول : بأنّ الغسل هو حكم الرجلين في الوضوء ، وأنّ النبي قد غسل رجليه في الوضوء ، والذين يقولون