الناس منها.
فلم تزل ترمى بها الغربة من بلد إلى بلد حتى أتت بلخ ، وكان قدومها إليها إبان الشتاء ، فقدمت بلخ في يوم شديد البرد ، ذي غيم وثلج ، فحين قدمت بلخ بقيت متحيرة لاتدري أين تذهب ، ولاتعرف موضعا تأوي إليه يحفظها وبناتها من البرد والثلج ، فقيل لها : إن بالبلد رجلا من أكابرها معروفا بالايمان والصلاح يأوي إليه الغرباء وأهل المسكنة.
فقصدت إليه العلوية وحولها بناتها ، فلقيته جالسا على باب داره وحوله جلساؤه وغلمانه ، فسلمت عليه وقالت : أيها الملك إني امرأة علوية ، ومعي بنات علويات ، ونحن غرباء ، وقدمنا إلى هذا البلد في هذا الوقت وليس لنا من نأوي إليه ولابها من يعرفنا فنلجأ إليه ، والثلج والبرد قد أضرنا ، دللنا إليك فقصدناك لتاوينا.
فقال : ومن يعرف أنك علوية ائتيني على ذلك بشهود! فلما سمعت كلامه ، خرجت من عنده حزينة تبكي ودموعها تنتثر ، واقفة في الطريق متحيرة لا تدري أين تذهب ، فمربها سوقي فقال : مالك أيتها المرأة واقفة ، والثلج يقع عليك ، وعلى هذه الاطفال معك؟ فقالت : إني امرأة غريبة لا أعرف موضعا آوي إليه ، فقال لها : امضي خلفي حتى أدلك على الخان الذى يأوي إليه الغرباء ، فمضت خلفه.
قال الراوي : وكان بمجلس ذلك الملك رجل مجوسي فلما رأى العلوية وقدردها الملك وتعلل عليها بطلب الشهود ، وقعت لها الرحمة في قلبه فقام في طلبها مسرعا فلحقها عن قريب ، فقال : إلى أين تذهبين أيتها العلوية؟ قالت : خلف رجل يدلني إلى الخان لاوي إليه فقال لها المجوسي : لابل ارجعي معي إلى منزلي ، فآوي إليه فانه خير لك ، قالت : نعم فرجعت معه إلى منزله.
فأدخلها منزله ، وأفرد لها بيتا من خيار
بيوته ، وأفرشه لها بأحسن الفرش وأسكنها فيه ، وجاء بها بالنار والحطب ، وأشعل لها التنور وأعد لها جميع ما