التدريجي وقبول الانقسام والتجزي ـ لكان مادياً متغيراً وقابلاً للانقسام ، وليس كذلك ، فإنّ كل أحد إذا رجع الى هذه المشاهدة النفسانية اللازمة لنفسه وذكر ما كان يجده من هذه المشاهدة منذ أوّل شعوره بنفسه وجده معنىً مشهوداً واحداً باقياً على حاله من غير أدنى تعدد وتغير كما يجد بدنه وأجزاء بدنه والخواص الموجودة معها متغيرة متبدلة من كل جهة في مادتها وشكلها وسائر أحوالها وصورها ، وكذا وجده معنىً بسيطاً غير قابل للانقسام والتجزي كما يجد البدن وأجزائه وخواصه ـ وكل مادة وأمر مادي كذلك ـ ؛ فليست النفس هي البدن ولا جزءاً من أجزائه ولا خاصة من خواصه ، سواء أدركناه بشيء من الحواس أو بنحو من الاستدلال أو لم ندرك ، فإنها جميعاً مادية كيفما فرضت ، ومن حكم المادة التغير وقبول الانقسام ، والمفروض أنْ ليس في مشهودنا المسمّى بالنفس شيء من هذه الاَحكام؛ فليست النفس بمادية بوجه.
وأيضاً هذا الذي نشاهده نشاهده أمراً واحداً بسيطاً ليس فيه كثرة من الاجزاء ولا خليط من خارج بل هو واحد صرف ، فكل إنسان يشاهد ذلك من نفسه ويرى أنّه هو وليس بغيره ، فهذا المشهود أمرٌ مستقل في نفسه لا ينطبق عليه حد المادة ولا يوجد فيه شيء من أحكامها اللازمة ، فهو جوهر مجرد عن المادة متعلق بالبدن نحو تعلق يوجب اتحاداً ما له بالبدن ، وهو التعلق التدبيري؛ وهو المطلوب.
وقد أنكر تجرّد النفس جميع الماديين وجمع من الاِلهيين من المتكلمين والظاهريين من المحدثين ، واستدلوا على ذلك وردوا ما ذكر من البرهان بما لا يخلو عن تكلف من غير طائل.
قال الماديون : إنّ الاَبحاث العلمية على تقدّمها وبلوغها اليوم إلى غاية