واختلاف أساليبها وتنوّع مستوياتها فمرّةً يجد حثّناً على الدعاء وثانيةً تعليماً له وثالثةً بياناً متواصلاً لحالات الداعين من المؤمنين حيناً ومن المشركين حيناً آخر. وإذا تابعنا السير في ظلّ هذه الظاهرة الكريمة نرى أنّها عالجت قضايا الإنسان العقائدية في التوحيد والعدل والنبؤة والإمامة والمعاد فضلاً عن حاجاته النفسيّة والاجتماعيّة التي تفتقر قواه والذّرية والنّصرة في مواقف الحرب وإلى غير من قضايا مهمة.
وأول ما تجدر الإشارة إليه في بيان معالم الدّعاء أنّها رسمت لنا منهجاً واضحاً في الاعتقاد ومعرفة الخالق وآداباً في سؤاله وخطابه جلّ وعلا. ولعلّ الذي يظهر ذلك ويوضحه الآيات التي أبرزت نزوع الإنسان الفطري في حالات الضّر والشدّة والخوف والرعب إليه تعالى ونبذ سواه والبراءة منه والاعتراف بكلّ خضوعٍ وذلّةٍ وتمسكنٍ بالضعف والقصور ثمّ ما يلبث الإنسان بعد إجابته أن يعود إلى ما كان عليه من اعتقادٍ باطلٍ. وفي ذلك إقامة للحجّة على صحّة نزوعه وفطرة عقيدته من جهة وبطلان ما كان بضد ذلك من جهة أخرى ولقد صوّرت الآيات الكريمة ذلك في مشهدين :
الأوّل : مشهد الإنسان الذي مسّة الضّرّ فلا يجد سبيلاً غير الله فليوذ به طالباً كشف ضرّه فال الله تعالى : ( وإذا مسّ الإنسان الضّرّ دعانا لجنبه أو فاعدًا أو قائماً فلمّا كشفناعنه ضرّة مرّ كان لم يدعنا إلى ضرّ مسّة كذلك زيّن للمسرفين ما كانوا يعملون ) (١). (٢)
__________________
(١) سورة يونس : ١٠ / ١٢.
(٢) ظ : في السياق عينه : الأنعام : ٦ / ٤٠ ـ ٤١ الروم : ٣٠ / ٣٣ فصلت : ٤١ / ٤٩ ـ ٥٠ الزمر : ٣٩ / ٨ النحل : ١٦ / ٥٣ ـ ٥٤ هود : ١١ / ٩ ـ ١٠.