المعنى الجملي
بعد أن بين سبحانه فى الآيات السالفة أن الشيطان يعدهم ويمنيهم ، ويدخل فى تلك الأمانى ما كان يمنّيه أهل الكتاب من الغرور بدينهم ، إذ كانوا يرون أنهم شعب الله الخاص ، ويقولون : إنهم أبناء الله وأحباؤه ، وأن النار لن تمسهم إلا أياما معدودات ، وقد سرى لهم هذا الغرور من اتكالهم على الشفاعات وزعمهم أن فضلهم على غيرهم من البشر بمن بعث فيهم من الأنبياء ، فهم يدخلون الجنة بكرامتهم لا بأعمالهم.
حذّرنا فى هذه الآيات الكريمات أن نكون مثلهم ، وكانت هذه الأمانى قد دبّت إلى المسلمين فى عصر النبي صلى الله عليه وسلم كما دل على ذلك قوله «أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَما نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلُ» الآية ، فلضعفاء الإيمان من المسلمين فى الصدر الأول ولأمثالهم فى كل زمان أنزلت هذه الموعظة ، ولو تدبروها لما كان لهذه الأمانى عليهم من سلطان.
أخرج ابن أبى شيبة عن الحسن موقوفا. «ليس الإيمان بالتمني ولكن ما وقر فى القلب وصدّقه العمل» وقال الحسن : إن قوما غرّتهم المغفرة فخرجوا من الدنيا وهم مملوءون بالذنوب ، ولو صدقوا لأحسنوا العمل.
وأخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن السدّى قال «التقى ناس من المسلمين واليهود والنصارى فقال اليهود للمسلمين : نحن خير منكم ، ديننا قبل دينكم وكتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم ونحن على دين إبراهيم ولن يدخل الجنة إلا من كان هودا. وقالت النصارى مثل ذلك ، فقال المسلمون : كتابنا بعد كتابكم ونبينا بعد نبيكم ، وقد أمرتم أن تتبعونا وتتركوا أمركم ، فنحن خير منكم ، نحن على دين إبراهيم وإسماعيل وإسحاق