وكمال صفاته ، فهو لا يحتاج إلى شكركم لتكميل نفسه «وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ» وفى الحديث القدسي «يا عبادى إنّكم لن تبلغوا ضرّى فتضرونى ، ولن تبلغوا نفعى فتنفعونى ، لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنّكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك فى ملكى شيئا ، يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك فى ملكى شيئا ، يا عبادى لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا فى صعيد واحد فسألونى فأعطيت كل واحد مسألته ما نقص ذلك مما عندى إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل فى البحر ، يا عبادى إنما هى أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفّيكم إياها ، فمن وجد خيرا فليحمد الله ، ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه» رواه مسلم.
ثم أعاد ما سلف لزيادة التوكيد فقال :
(وَلِلَّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَكَفى بِاللهِ وَكِيلاً) أي له سبحانه ما فيهما خلقا وملكا يتصرف فيهما كيفما شاء إيجادا وإعداما وإحياء وإماتة ، وكفى به قيّما وكفيلا يوكّل به أمر العباد فى أرزاقهم وأقواتهم وسائر شؤونهم.
(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ وَيَأْتِ بِآخَرِينَ) أي إن يرد إفناءكم واستئصالكم من الوجود وإيجاد قوم آخرين من البشر يحلون محلكم فى الحكم والتصرف فهو قادر على ذلك ، لأن كل ما فى السموات والأرض فهو تحت قبضته وخاضع لسلطانه.
والخلاصة ـ إن إبقاءكم على ما أنتم عليه من العصيان إنما هو لكمال غناه عن طاعتكم ، ولأن مشيئته لم تتعلق بهذا الإفناء لحكم ومصالح أرادها سبحانه ، لا لعجز عن ذلك ، تعالى الله علوا كبيرا.
ومثل هذه الآية قوله تعالى «(إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ ، وَما ذلِكَ عَلَى اللهِ بِعَزِيزٍ» *) وقوله «وَإِنْ تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثالَكُمْ».
وفى هذه الآيات تهديد للمشركين الذين كانوا يؤذون النبي صلى الله عليه وسلم ويقاومون دعوته ، وتنبيه للناس إلى التأمل فى سنن الله التي جرت فى حياة الأمم وموتها ، وإن هذه السنن إذا تعلقت بها المشيئة وقعت لا محالة.