الإيضاح
(فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ) أي فليقاتل فى سبيل الله من أراد أن يبيع الحياة الدنيا ويبذلها ويجعل الآخرة ثمنا لها وعوضا منها ، لأنه يكون قد أعز دين الله وجعل كلمته هى العليا ، وكلمة الذين كفروا هى السفلى ، والله عزيز ذو انتقام.
ثم رغّب فى القتال بعد الأمر به بذكر الثواب عليه فقال :
(وَمَنْ يُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيُقْتَلْ أَوْ يَغْلِبْ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً) أي ومن يقاتل فى سبيله فيظفر به عدوه أو يظفر هو بعدوه ، فإن الله سيؤتيه أجرا عظيما من عنده خالدا أبدا فى دار الجزاء.
وفى الآية إيماء إلى شرف الجهاد ، لأنه إنما كان فى سبيل الحق والعدل والخير لا فى سبيل الهوى والطمع ، كما أن فيها إيماء إلى أنه ينبغى للمقاتل أن يوطن نفسه على أحد الأمرين : إما أن يقتله العدو ويكرم نفسه بالشهادة ، وإما أن يظفر به فيعزّ كلمة الحق والدين ، ولا يحدّث نفسه بالهرب بحال ، لأنه إن فعل ذلك فما أسرع ما يقع فى ذلك الفخّ الذي نصبه لنفسه.
ثم زاد ترغيبا فيه فقال :
(وَما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ) أي وأىّ عذر لكم يمنعكم أن تقاتلوا فى سبيل الله لتقيموا التوحيد مقام الشرك ، وتحلّوا الخير محل الشر ، وتضعوا العدل والرحمة موضع الظلم والقسوة.
(وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَالنِّساءِ وَالْوِلْدانِ) أي وفى سبيل المستضعفين إخوانكم فى الدين الذين استذلهم أهل مكة الأقوياء الجبابرة وآذوهم أشد الإيذاء ، ليمنعوهم من الهجرة ويفتنوهم عن دينهم ويردوهم فى ملتهم.
وقد جعل الله هؤلاء سبيلا لإثارة النخوة وهزّ الأريحية ، وإيقاظ شعور الرحمة والأنفة ، فوصفهم بما يجعل نفس الحر تشتعل حماسة وغيرة على إنقاذهم والسعى فى رفع الظلم عنهم فقال :