هذا تعلم حكمة تكرار التسلية بأمثال هذه الآية مع الأمر بالصبر المرة بعد المرة ، لأن الحزن والأسف اللذين كانا يعرضان له صلى الله عليه وسلم من شأنهما أن يتكررا بتكرر سببهما وبتذكره.
وفى الآية بشارة للرسول صلى الله عليه وسلم مؤكدة للتسلية بأن الله سينصره على المكذبين الظالمين من قومه ، وعلى كل من يكذبه ويؤذيه من أمة الدعوة ، كما أن فيها إيماء إلى حسن عاقبة الصبر ، فمن كان أصبر كان حقيقا بالنصر إذا تساوت بين الخصمين وسائل الغلب والقهر.
ثم أكد هذا النصر بقوله :
(وَلا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللهِ) أي إن ذلك النصر قد سبقت به كلمة الله ، فى مثل قوله «وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنا لِعِبادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ» وكلمات الله لا يمكن أن يبدّلها مبدّل ، فنصر الرسل حتم لا بد منه. والتبديل جعل شىء بدلا من شىء آخر. وتبديل الكلمات والأقوال نوعان :
(١) تبديل ذاتها بجعل قول مكان قول وكلمة مكان أخرى ، ومن هذا قوله تعالى : «فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ».
(٢) تبديل مدلولها ومضمونها كمنع نفاذ الوعد والوعيد أو وقوعه على خلاف القول الذي سبق.
ثم أكد سبحانه عدم التبديل بقوله :
(وَلَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ) أي ولقد جاءك ذلك الذي أشير إليه من خبر التكذيب والصبر والنصر من نبأ المرسلين الذي قصصناه عليك من قبل ؛ فقد روى أن سورة الأنعام نزلت بين سور الشعراء والنمل والقصص وهود والحجر المشتملة على نبأ المرسلين بالتفصيل.
وكما وعد الله رسله بالنصر وعد المؤمنين به نحو قوله : «إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهادُ» وفى قوله «وَكانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ».