المعنى الجملي
بعد أن ذكر سبحانه فيما سلف مقترحاتهم على النبي صلى الله عليه وسلم ، وأنهم تارة يطلبون إنزال ملك مع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأخرى يطلبون إنزال ملك بالرسالة ، وكان مبنى هذه المقالة الاستهزاء ، وكان قلب الرسول يضيق بها درعا عند سماعه إياها.
ذكر هنا ما يخفف عنه ما يلاقيه منهم من سوء الأدب ومن الهزؤ والسخرية ، فأبان له أنك لست ببدع من الرسل ، فإن كثيرا منهم لاقوا من أقوامهم مثل ما لاقيت بل أشد من ذلك وأنكى ، فأنزل الله بهم من العذاب ما يستحقونه كفاء أفعالهم الشنيعة وجرأتهم على من اصطفاهم ربهم من خلقه ، ثم أمر هؤلاء المكذبين بأن يسيروا فى الأرض ليروا كيف كانت عاقبة المكذبين لأنبيائه.
الإيضاح
(وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَحاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ) أخبر الله رسوله بأن الكفار قد استهزءوا برسل كرام قبلك كما جاء فى قوله : «وَما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ» فما تراه من استهزاء كفار قريش بك ليس ببدع منهم بل هم جروا فيه على آثار أعداء الرسل قبلك وقد حل بأولئك الساخرين العذاب الذي أنذرهم إياه أولئك الرسل جزاء على سوء صنيعهم ، وفى الآية وجوه من العبرة :
(١) تعليم النبي صلى الله عليه وسلم سنن الله فى الأمم مع رسلهم.
(٢) تسلية له عن إيذاء قومه له.
(٣) بشارة له بحسن العاقبة وما سيكون له من الغلبة والسلطان ، وما سيحل بأولئك المستهزئين من الخزي والنكال ، وقد أهلكهم الله وامتنّ على نبيه بذلك