أوامر دينهم ، لكن الذي يسهل عليهم ذلك ظنهم أن الضرر المتيقن إنما يكون بالإسراف والانهماك فى الشراب ، وأن القليل منها إن لم ينفع فلا يضر ، فلا ينبغى تركه مع ما فيه من لذة النشوة والذهول عن همؤم الدنيا وآلامها.
إلى ما فى ذلك من مجاملة الإخوان ، لكنهم مخدوعون ؛ إذ هم لو سألوا من سبقهم إلى هذه البلوى وأسرف فى السكر حتى فسدت صحته ومروءته وضاعت ثروته ، هل كنت حين بدأت تنوى الإسراف والإدمان؟ لأجابك بأنه ما كان يقصد إلا النزر القليل فى فترات متطاولة من الزمن ، وما كان يعلم أن القليل يجر إلى الكثير الذي يصيبه بالداء الدوىّ ولا يجد إلى الخلاص منه سبيلا.
وقد يعرض لبعض من يؤمن بحرمة الخمر شبهات فيقول إن الخمر المتخذة من العنب هى المحرمة لذاتها وأن ما عداها لا يحرم منه إلا المقدار المسكر فعلا ، لكنهم واهمون فيما فهموا ، إذ جاء فى الحديث الصحيح قوله صلى الله عليه وسلم : «كل مسكر خمر وكل خمر حرام».
وآخر تعلة لهم الغرور بكرم الله وعفوه ، أو اعتمادهم على بعض الأعمال الصالحة ـ ولا سيما ما يسمونه بالمكفّرات ـ أو على الشفاعات.
وهذا الجهل والغرور يصبح عقيدة فى نفوسهم بما يسمعونه من كلام فساق الشعراء المدمنين كأبى نواس كقوله :
تكثّر ما استطعت من المعاصي |
|
فإنك واجد ربا غفورا |
وقوله : ورجوت عفو الله معتمدا على |
|
خير الأنام محمد المبعوث |
ولو صح أمثال هذا الهذيان لكان الدين لغوا وعبثا. ولكان المسلم يضرب بأوامر دينه عرض الحائط انتظارا لشفاعة ترجى أو عفو ربما أتيح له من فضل ربه ، وكان التقى والفاجر سواء ؛ وقد ثبت فى صحيح الأحاديث «أنه كان يؤتى بالشارب فى عهد النبي صلى الله عليه وسلم فيضرب بالأيدى والجريد وبالثياب والنعال» وفى حديث أنس : «أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى برجل قد شرب الخمر فجلده بجريدتين نحو أربعين»