ولا يزال الكلام فى هذه الآيات مع عيسى أيضا ، ففيها سؤال من الله على مرأى من قومه توبيخا وتقريعا لهم على افترائهم ، وإجابة من عيسى عن ذلك فيها تنصل من ذلك الذنب العظيم الذي اقترفوه بعده وهو القول بالتثليث ، ثم إخبار من الله بما ينجّى الإنسان من عذاب يوم القيامة ، مع بيان أن ما فى السموات والأرض كله مملوك له وفى قبضته يتصرف فيه بعدله وحكمته وهو القادر على كل شىء لا شريك له يمنعه إن أعطى ، أو يلزمه بالإعطاء إن منع.
الإيضاح
(وَإِذْ قالَ اللهُ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلهَيْنِ مِنْ دُونِ اللهِ؟) الخطاب فى هذه الآية للنبى صلى الله عليه وسلم ، أي واذكر أيها الرسول للناس يوم يجمع الله الرسل فيسألهم جميعا عما أجابت به أممهم ، حين يقول لعيسى اذكر نعمتى عليك وعلى والدتك ... وحين يقول له بعد ذلك : أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين؟ أي يسأله أقالوا هذا القول بأمر منك أم هم افتروه وابتدعوه من عند أنفسهم؟
ومعنى قوله من دون الله أي متجاوزين بذلك توحيد الله وإفراده بالعبادة ، وذلك إما أن يكون باتخاذ إله أو أكثر مع الله تعالى وهو الشرك ، إذ عبادة الشريك المتخذ غير عبادة الله خالق السموات والأرض ، سواء اعتقد المشرك أن هذا الشريك ينفع ويضر استقلالا ، أو اعتقد أنه ينفع ويضر بإقدار الله إياه وتفويضه بعض الأمر إليه فيما وراء الأسباب أو بالوساطة عند الله أي بما له من التأثير والكرامة على النفع والضر وهذا هو الأكثر الذي كان عليه مشركو العرب عند البعثة ، كما حكاه الله عنهم فى قوله : «وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللهِ ما لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللهِ» وقوله : (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى)».