وقد يكون المعنى ـ إنه تعالى رقيب على أعمالكم فيجازيكم عليها.
والخلاصة ـ إنه لا حافظ إلا الله ، ولا قاضى للحاجات إلا هو ، فعلينا أن نقطع أطماعنا عن كل ما سواه ، ولا نلجأ فى المهمات إلا إليه.
(لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصارُ) أي لا تراه الأبصار رؤية إحاطة تعرف كنهه عز وجل ، ونحو الآية قوله : «يَعْلَمُ ما بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَما خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ» ونفى إحاطة العلم لا يستلزم نفى أصل العلم وكذلك نفى إدراك البصر للشىء والإحاطة به لا يستلزم نفى رؤيته مطلقا.
وبهذا يعلم أنه لا تنافى بين هذه الآية وبين الأحاديث الصحيحة الدالة على رؤية المؤمنين لربهم فى الآخرة ، فقد روى أنه صلى الله عليه وسلم قال : «إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر ، وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب» فالمؤمنون يرونه ، والكافرون عنه يؤمئذ محجوبون كما قال جل ثناؤه «كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ».
(وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصارَ) أي إنه تعالى يرى العيون الباصرة رؤية إدراك وإحاطة فلا يخفى عليه من حقيقتها ولا من علمها شىء.
وقد عرف علماء التشريح تركيب العين وأجزاءها ووظيفة كل منها فى ارتسام المرئيات فيها ، كما عرفوا كثيرا من سنن الله فى النور ووظيفته فى رسم صور الأشياء فى العينين ، ولكنهم لم يصلوا بعد إلى معرفة كنه الرؤية ، ولا كنه قوة الإبصار ولا حقيقة النور.
قال صاحب اللسان : قال أبو إسحق فى الآية : أعلم الله أنه يدرك الأبصار ، وفى هذا الإعلام دليل على أن خلقه لا يدركون الأبصار أي لا يعرفون حقيقة البصر وما الشيء الذي صار به الإنسان يبصر من عينيه دون أن يبصر من غيرهما من سائر أعضائه ، فأعلم أن خلقا من خلقه لا يدرك المخلوقون كنهه ولا يحيطون بعلمه ، فكيف به تعالى والأبصار لا تحيط به وهو اللطيف الخبير؟