فلم يتمكنوا من قتلك وصلبك ، وقد كانوا أرادوا ذلك ، وقال الكافرون منهم ما هذا إلا ساحر ، وما جاء به من البينات لم يكن إلا سحرا ظاهرا ، وليس من جنس ما جاء به موسى ، على أنه متله أو أظهر منه.
والخلاصة ـ أنهم لا يعتدّون بما جاء على يديه من الآيات وخوارق العادات ، ولا يؤمنون به وإن جاء بآيات أخرى ، إذ لم يكن طعنهم لشبهات تتصل بها بل كان عنادا ومكابرة ، ومن ثم ادّعوا أن السحر صنعته ، والتمويه وقلب الحقائق دأبه وعادته.
(وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي ، قالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنا مُسْلِمُونَ) الوحى فى اللغة : الإشارة السريعة الخفية ، والإعلام بالشيء بسرعة وخفاء ، والمراد به هنا ما يلقيه الله فى نفوس الأحياء من الإلهام كما فى قوله : «وَأَوْحى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً» وقوله «وَأَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ» وهكذا ألقى الله فى قلوب الحواريين الإيمان به وبرسوله عيسى عليه السلام ، أي واذكر نعمتى عليك حين ألهمت الحواريين أن يؤمنوا بك وقد كذبك جمهور بنى إسرائيل وجعلتهم أنصارا لك يؤيدون دعوتك وينشرون شريعتك ، وقد حكى الله عنهم أنهم قالوا آمنا أي با لله وبرسوله عيسى عليه السلام وأشهدوا الله على أنفسهم أنهم مسلمون أي مخلصون فى إيمانهم مذعنون لأوامره وتاركون لنواهيه.
ثم ذكر كلاما منقطعا عما قبله ليبين ما جرى بينه عليه السلام وبين قومه عقب حكاية ما صدر من الحواريين من المقالة المعدودة من نعم الله عليه ، فقال :
(إِذْ قالَ الْحَوارِيُّونَ يا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ هَلْ يَسْتَطِيعُ رَبُّكَ أَنْ يُنَزِّلَ عَلَيْنا مائِدَةً مِنَ السَّماءِ) أي اذكر للناس وقت قول الحواريين لعيسى : يا عيسى هل يرضى ربك ويختار أن ينزل علينا مائدة من السماء إذا نحن سألناه أو سألته ذلك؟
وفسر بعضهم الاستطاعة بمعنى القدرة وقالوا إن هذا السؤال لا يصدر عن مؤمن صحيح الإيمان وأجابوا عن ذلك بعدة أجوبة :