على من شاء من البشر بواسطة الملائكة أو بتكليمه إياهم بدون واسطة وهم قد أنكروا الوحى وجهلوا فضل البشر وقالوا ما أنزل الله على أحد منهم شيئا.
ومن عرف حكمة الله البالغة ، ورحمته الواسعة ، وعلمه المحيط بكل شىء ، ونظر فى آياته فى الأنفس والآفاق ، وعلم أنه أحسن كل شىء خلقه ، وخلق الإنسان مستعدا للصعود إلى أعلى عليين ، والهبوط إلى أسفل سافلين ، وجعل كماله أثرا لعلومه وأعماله الكسبية التي عليها مدار حياته الدنيوية والأخروية ـ علم أن الإنسان مهما ارتقت معارفه لا يمكن أن يصل إلى الكمال الذي يؤهله لنيل السعادة الأبدية إلا إذا اهتدى بهدى النبيين والمرسلين ، فإن إرسالهم وإنزال الوحى عليهم وإرشادهم للناس سبب لكل ارتقاء إنسانى فى حياتيه الجسمانية والروحية فبذلك تذهب الضغائن والأحقاد من القلوب ، ويزول الخلاف والشقاء بين الناس ، ويعيشون فى وفاق ووئام ، علما منهم بأن هناك سلطة عليا ترقب أعمالهم ، وتحاسبهم على النقير والقطمير ، فى ذلك اليوم العبوس القمطرير ، وتجزى كل نفس بما كسبت ، لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب.
ثم لقن الله رسوله الردّ على منكرى الوحى والرسالة من مشركى قريش ، إثر بيان كون ذلك من شئونه تعالى ومن مقتضى نظام حياة البشر وقد كانوا يعلمون أن اليهود هم أصحاب التوراة المنزلة على موسى فقد أرسلوا إلى المدينة وفدا زعيماه النضر بن الحرث وعقبة بن أبي معيط ليسألوا الأحبار عما يعلمون عن محمد وصفته ، لأنهم أهل الكتاب الأول وعندهم علم ما ليس عند غيرهم من علم الأنبياء ، فلما أتوا إلى أولئك الأحبار سألوهم عنه فأنكروا معرفته ، وبذا يكون الاحتجاج عليهم بإنزال التوراة على موسى احتجاجا ملزما لهم ودافعا لإنكارهم فقال :
(قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَتُخْفُونَ كَثِيراً) أي قل لقومك الذين لم يقدروا الله حق قدره «إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ اللهُ عَلى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ» و «قالُوا أَبَعَثَ اللهُ بَشَراً رَسُولاً؟ ـ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ