(ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) أي هذا الفعل العالي الشأن ، البعيد المدى فى الإبداع والإتقان ـ هو تقدير الخالق الغالب على أمره فى تنظيم ملكه ، بما اقتضاه واسع علمه ، وعظيم قدرته وحكمته ، ليس فيه جزاف ولا اختلاف : «إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ».
ثم ذكر سبحانه آية أخرى من آيات التكوين العلوية وقرنها بذكر فائدتها فقال :
(وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) المراد بالنجوم هنا ما عدا الشمس والقمر من النيّرات ، لأنه الظاهر من سياق الكلام ، ولأنه المعهود فى الاهتداء به.
وكانت العرب أيام بداوتها تؤقت بطلوع النجوم فتحفظ أوقات السنة بالأنواء وهى نجوم منازل القمر فى مطالعها ومغاربها.
وكان اهتداؤهم بالنجوم على ضربين :
(١) معرفة الوقت من الليل أو من السنة.
(٢) معرفة المسالك والطرق والجهات.
والمراد بالظلمات ظلمة الليل وظلمة الأرض أو الماء وظلمة الخطأ والضلال.
والمعنى ـ والله هو الذي جعل لكم النجوم أدلة فى البر والبحر إذا ضللتم الطريق أو تحيرتم فلم تهتدوا فيها ليلا ، فبها تستدلون على الطرق فتسلكونها وتنجون من الخطأ والضلال فى البر والبحر.
والخلاصة ـ إنه تعالى ذكّرنا ببعض فضله فى تسخير هذه النيرات التي نراها صغيرة بعد أن ذكّرنا ببعض فضله فى الشمس والقمر اللذين يريان كبيرين فى أعين الناس.
وقد جدّت فى هذا العصر المراصد الفلكية ، واستحدثت آلات لتقريب الأبعاد وتحليل النور ، فعلم الشيء الكثير من سرعة الكواكب وأبعادها ، ومعرفة مساحتها وكثافتها والمواد المؤلفة منها ، إلى نحو ذلك مما كان مجهولا من قبل ، فثبت لعلماء الفلك أن النجوم تعد بالملايين ، لكنهم لم يتمكنوا إلى الآن إلا من معرفة أبعاد بعض مئات منها ، لأن باقيها أبعد من أن يعرف اختلاف فى مواقعه.