ولما فى عالم السموات من بديع الصنع ، وبديع النظام ختم سبحانه الآية بقوله :
(قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) والآيات هنا إما آيات التنزيل ، وإما آيات التكوين ، فإن كانت الأولى فالمعنى ـ إن هذه الآية وما قبلها وكل ما فى معناها من الآيات المنزلة فى الحث على النظر فى ملكوت السموات تبين وتفصل حكم الله تعالى وعجائب صنعه ، فيزداد الإنسان بهذا البيان بحثا وعلما.
وإن كانت الثانية فالمعنى ـ إن الآيات الدالة على علم الله تعالى وقدرته وفضله على خلقه لا يستخرجها من النظر فى النجوم إلا أهل العلم الذين يقرنون العلم بالاعتبار ولا يكتفون بأن يقولوا بعد النظر والحساب : إن هذا لعجب عجاب.
وبعد أن ذكّرنا سبحانه ببعض آياته فى الأرض والسماء ذكرنا بآياته فى أنفسنا فقال :
(وَهُوَ الَّذِي أَنْشَأَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ) الإنشاء إيجاد الشيء وتربيته ، أو إحداثه بالتدريج ، والنفس تطلق على الروح وعلى الشخص المركب من روح وبدن.
والمعنى ـ إنه تعالى هو الذي أنشأكم من نفس واحدة هى الإنسان الأول الذي تسلسل منه سائر الناس بالتوالد ، وهو آدم عليه السلام.
وفى إنشاء جميع البشر من نفس واحدة آيات بينات على قدرة الله وعلمه وحكمته ووحدانيته وفى التذكير بذلك إيماء إلى ما يجب من شكر نعمته ، وإرشاد إلى ما يجب من التعارف والتعاون بين البشر ، وأن يكون هذا التفرق إلى شعوب وقبائل مدعاة إلى التآلف ، لا إلى التعادي والتقاتل وبث روح العداوة والبغضاء بين الناس.
(فَمُسْتَقَرٌّ وَمُسْتَوْدَعٌ) أي ولكم موضع استقرار فى الأصلاب ، وموضع استيداع فى الأرحام ، وإنما جعل الصلب مقر النطفة ، والرحم مستودعها ، لأن النطفة تتوالد فى الصلب ابتداء ، والرحم شبيهة بالمستودع كما قال :
وإنما أمهات الناس أوعية |
|
مستودعات وللآباء أبناء |
(قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) أي إننا جعلنا الآيات المبينة لسنننا فى الخلق مفصلة