روى ابن جرير عن ابن زيد أن قوم إبراهيم قالوا حين قال إنى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض : ما جئت بشىء ونحن نعبده ونتوجه إليه ، فرد عليهم بأنه حنيف أي مخلص له لا يشرك به كما يشركون ا ه.
يريد أنه مائل عن معبوداتهم الباطلة وعن غيرها ، فتوجهه وإسلامه خالص ، لا يشوبه شرك ولا رياء ، وما هو من المشركين به الذين يتوجهون إلى غيره من المخلوقات كالكواكب أو الملائكة أو الملوك أو الصالحين أو ما يتخذ لهم من الأصنام والتماثيل.
وظاهر ما حكاه الله عن إبراهيم صلى الله عليه وسلم أن قومه كانوا يتخذون الأصنام آلهة لا أربابا ويتخذون الكواكب أربابا آلهة ، والإله هو المعبود وكل من عبد شيئا فقد اتخذه إلها ، والرب : هو السيد المالك المربّى المدبر المتصرف ، وليس للخلق رب ولا إله إلا الله الذي خلقهم ، فهو المالك لكل شىء وفى كل زمن وعلى كل حال ، وملك غيره ناقص موقوت فهو المعبود بحق ، والعبادة : هى التوجه بالدعاء والتعظيم القولى أو العملي إلى ذى السلطان الأعلى خالق الخلق والموجد له والمتصرف فيه.
والأصل فى اختراع عبادة غير الله من حجر أو شجر أو شمس أو قمر أمران :
(١) إن بعض ضعاف الأحلام رأوا بعض مظاهر قدرته تعالى فى بعض خلقه ، فتوهموا أن ذلك ذاتى لهذا المخلوق ليس خاضعا لسنن الله فى الأسباب والمسببات.
(٢) اتخاذ بعض المخلوقات ذات الخصوصية فى مظاهر النفع والضر وسيلة إلى الإله الحق تشفع عنده وتقرب إليه كل من توجه إليها ، فيتوسل ذو الحاجة إليها بدعائها وتعظيمها بالقول أو الفعل لحمله تعالى بتأثيرها على قبوله وإعطائه سؤله.
وقد أقاموا مقام هذه المخلوقات : التماثيل والأصنام والقبور وغيرها مما يذكّر بها ، وهذه هى الوثنية الراقية التي كانت عليها العرب زمن البعثة ، ومن ثم كانوا يقولون فى طوافهم بالبيت الحرام : لبيك لا شريك لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك.
وكان قوم إبراهيم صلى الله عليه وسلم قد ارتقوا فى وثنيتهم إلى هذه المرتبة ، إذ أنهم عقلوا أن الأصنام لا تسمع دعاءهم ولا تبصر عبادتهم ولا تقدر على نفعهم