ثم أجاب عن ذلك بقوله :
(بَلْ إِيَّاهُ تَدْعُونَ فَيَكْشِفُ ما تَدْعُونَ إِلَيْهِ إِنْ شاءَ وَتَنْسَوْنَ ما تُشْرِكُونَ) أي ما أنتم أيها المشركون بالله الآلهة والأنداد إن أتاكم عذاب الله أو أتتكم الساعة ـ بمستجيرين بشىء غير الله من وثن أو صم إذا اشتد بكم الهول ، بل تدعونه وحده ، وبه تستغيثون ، وإليه تفزعون ، دون كل شىء غيره فيفرج عنكم ويزيل البلاء عند استغاثتكم به وتضرعكم إليه إن شاء ذلك ، لأنه وحده القادر على كل شىء ، والمالك لكل شىء دون ما تدعونه إلها من صنم أو وثن ، لأن الفزع إليه سبحانه عند الشدائد مما ركز فى فطرة البشر تنبعث إليه بذاتها كما تنبعث إلى الماء عند العطش ، فلا يذهب به ما يتلقّى بالتعليم الباطل من مسائل الدين ، فهم به يجنون على غريزة التوجه إلى خالقهم وخالق العالم كله بما يتخذونه من الأنداد والأولياء والشفعاء الذين يتوجهون إليهم كما يتوجهون إلى الله ويحبونهم كحب الله.
وما منشأ ذلك التقديس إلا اعتقاد القدرة على النفع والضر من غير طريق الأسباب المعروفة ، لكنهم عند الشدائد وتراكم الأهوال والكروب ينسونهم ويدعون الله وحده.
ولهذا الحب والتعظيم ثلاث درجات :
(١) أعرقها فى الجهل أن يعتقد المرء فى شىء من المخلوقات أنه إله ينفع ويضر بذاته فيتوجه إليه ويدعوه ويتضرع إليه.
(٢) المرتبة الوسطى أن يعتقد أن الإله قد حل فى بعض المخلوقات واتحد بها كما تحلّ الروح فى البدن وتدبّره. فيكونان شيئا واحدا.
(٣) أضعف درجاته أن يعتقد أن الله تعالى هو الخالق لكل شىء ، القادر على كل شىء ، المتصرف فى كل شىء ، ولكن له وسطاء بينه وبين عبادة يقرّبونهم إليه زلفى ويشفعون لهم عنده ، فهو لأجلهم يعطى ويمنع ويضر وينفع ، وهذه هى الدرجة التي