فأخلق بها أن ترجع أهل الأوهام عن دعاء أمثالهم من البشر بل من دونهم من الأصنام والأوثان.
ولكن كثيرا من الناس يصلون إلى حال من الشرك والفجور لا يغيّرها بأس ولا يحوّلها بؤس ، فلا تجدى معهم العبر والمواعظ ، ولا تؤثر فيهم صروف الدهر وغيره ، ومنهم أولئك الأمم الذين أرسل إليهم هؤلاء الأنبياء ، ومن ثم قال تعالى :
«فلو لا إذ جاءهم بأسنا تضرعوا ، ولكن قست قلوبهم وزين لهم الشيطان ما كانوا يعملون» أي فهلا تضرّعوا إلينا خاشعين تائبين حين جاءتهم مقدمات العذاب وبوادره ، وحذروا عواقبه وأواخره ، لنكشفه عنهم قبل أن يحيط بهم.
ولكن قلوبهم كانت كالحجارة أو أشد قسوة فلم تؤثر فيهم النذر ، وزيّن لهم الشيطان ما هم عليه من الشرك والفجور ، ووسوس إليهم بأن يثبتوا على ما كان عليه آباؤهم ، ولا ينقادوا إلى رجال منهم ضعاف الأحلام سفهاء العقول ، لا ميزة لهم عليهم بعقل راجح ، ولا فكر ثاقب.
ثم ذكر ما حل بهم من الوبال والنكال بعد أن ابتلاهم بالحسنات فقال :
(فَلَمَّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أَبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ) أي فلما أعرضوا عما أنذرهم به رسلهم وتركوا الاهتداء به وتناسوه وجعلوه وراء ظهورهم وأصرّوا على كفرهم وعنادهم وجمدوا على تقليد من قبلهم ـ بلوناهم بالحسنات ، وفتحنا عليهم أبواب الرزق ورخاء العيش وصحة الأجسام والأمن على الأنفس والأرواح ، فلم تربّهم تلك النعم ، ولا شكروا الله على ما أنعم ، بل أفادتهم النعمة بطرا وكبرا كما أفادتهم الشدائد عتوّا وقسوة.
والخلاصة ـ إنه تعالى سلط عليهم المكاره والشدائد ليعتبروا ويتعظوا ، فلما لم تجد معهم شيئا نقلهم إلى حال هى ضدّها ففتح عليهم أبواب الخيرات وسهل لهم سبل الرزق والرخاء فلم ينتفعوا أيضا ، وما مثل هذا إلا مثل الأب المشفق على ولده يخاشنه تارة ، ويلاينه أخرى طلبا لصلاحه واستقامة حاله وإرجاعا له عن غيه وطغيانه.