ثم بين أصلا من أصول الدين في هذه الرحمة للمؤمنين فقال :
(أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي إن من عمل منكم عملا تسوء عاقبته ، للضرر الذي حرّمه الله لأجله ، حال كونه ملتبسا بجهالة دفعته إلى ذلك السوء ، كغضب شديد حمله على السب والضرب ، أو شهوة مغتلمة قادته إلى انتهاك العرض ، ثم تاب ورجع عن ذلك السوء بعد أن عمله شاعرا بقبحه ، نادما عليه ، خائفا من عاقبته ، وأصلح عمله بأن اتبع ذلك العمل السيّء بعمل يضاده ، ويذهب أثره من قلبه ، حتى يعود إلى النفس زكاؤها وطهارتها ، وتصير أهلا للقرب من ربها ـ فشأنه تعالى فى معاملته أنه واسع المغفرة والرحمة ، فيغفر له ما تاب عنه ، ويتغمده برحمته وإحسانه.
وقد بين سبحانه فى هذه الآية من أنواع الرحمة المكتوبة لعباده ما هم أحوج إلى معرفته بنص الوحى وهو حكم من يعمل السوء بجهالة من عباده المؤمنين ، وبقية أنواعها يمكن أن يستدل عليها بالنظر فى الأنفس والآفاق ، وأمر نبيه بتبليغها لمن يدخلون فى الدين ليهتدوا بها حتى لا يغتروا بمغفرة الله ورحمته فيحملهم الغرور على التفريط فى جنب الله والغفلة عن تزكية أنفسهم ، وحتى يبادروا إلى تطهيرها من إفساد الذنوب خوف أن تحيط بها خطيئتها : «إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ».
ثم بين سبحانه أنه فصل الحقائق للمؤمنين ليبتعدوا عن سلوك سبيل المجرمين.
(وَكَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ) أي ومثل ذلك التفصيل البديع الواضح نفصل لك أدلتنا فى بيان الحقائق التي يهتدى بها أهل النظر والفكر لما فيها من العلم والحكمة ، والموعظة والعبرة ، ولتتضح لك وللمؤمنين طريق المجرمين ، إذ يعلم من هذا التفصيل أن ما خالفه هو سبيل المجرمين والأشياء تعرف بأضدادها كما قيل (وبضدها تتميز الأشياء).