من أحياء وأموات أن لهم تصرفا غيبيا ، فما يقع عقب زيارتهم لهم من زوال مكروه أو نفع يصل إلى محبوب إنما كان بدعائهم ، والواقع أن ذلك بتقدير السميع العليم ، وليس لغيره فى ذلك تأثير لا جلىّ ولا خفىّ.
وبعد أن أبان لهم أنه لا يخاف شركاءهم بل يخاف الله وحده ، تعجب من تخويفهم إياه ما لا يخيف ، وعدم خوفهم مما يجب أن يخاف منه قال :
(وَكَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً) أي وكيف أخاف ما أشركتموه بربكم من خلقه فجعلتموه ندّا له ينفع ويضر ـ ولا تخافون إشراككم بالله خالقكم ما لم ينزل به حجة بيّنة بوحي ولا نظر عقل تثبت لكم جعله شريكا فى الخلق والتدبير أو فى الوساطة والشفاعة ، فافتياتكم على خالقكم بهذه الدعوى هو الذي يجب أن يخاف ويتقى.
والخلاصة ـ إن ما يدّعى لصحة هذا الخوف باطل ، وأنه عليه السلام لم يجد هذا الخوف وجها ، فلا يخاف الشركاء لذواتهم ، ولا لما يزعمون من وساطتهم عند الله وشفاعتهم ، ولا لقدرة على الضر والنفع قد تدّعى لهم.
وقوله ما لم ينزل به عليكم سلطانا ـ مذكور على طريق التهكم ، مع الإعلام بأن الدين لا يقبل إلا بالحجة والبرهان ، والتقليد ليس بعذر ولا سيما تقليد من ليس على هداية ولا علم ولا بصيرة والله لم ينزل بما ادعيتموه سلطانا لأنه باطل فلا سلطان عليه ولا دليل.
(فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ) الفريقان : فريق الموحدين الذين يعبدون الله وحده ويخافونه ويرجونه دون غيره ، وفريق المشركين الذين استكبروا تأثير بعض الأسباب فاتخذوا ما اتخذوا من الآلهة والأرباب ، ونسبوا إلى بعضها النفع والضر كالشمس والقمر والملائكة ـ أي فأى هذين الفريقين أحق وأجدر بالأمن على نفسه من عاقبة عقيدته وعبادته.
ونكتة التعبير (بأى الفريقين) دون أن يقول فأينا أحق بالأمن ـ الإشارة