ويرقى إلى سماء العزة والكرامة ، روى الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : «إن الله لما خلق الخلق كتب كتابا عنده فوق العرش : إن رحمتى سبقت غضبى» والمراد بالسبق هنا كثرة الرحمة وشمولها كما يقال غلب على فلان الكرم والشجاعة إذا كثرا منه.
والخلاصة ـ إنه لما قال كتب على نفسه الرحمة ، فكأنه قيل وما تلك الرحمة؟ فقيل ليجمعنكم إلى يوم القيامة ، ذلك أنه لو لا خوف العذاب يوم القيامة لحصل الفساد فى الأرض واختلّت نظم الاجتماع وأكل القوى الضعيف ولا وازع ولا زاجر ، فصار التهديد بهذا اليوم من أسباب الرحمة.
(الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) خسارة الأنفس إفساد فطرتها وعدم اهتدائها بما منحها الله من أنواع الهدايات ، فالمقلدون خسروا أنفسهم لأنهم حرموها استعمال نعمتى العقل والعلم.
أي أخصّ هؤلاء الذين خسروا أنفسهم بالتذكير والذم والتوبيخ بين من يجمعون إلى يوم القيامة ، إذ هم لخسرانهم أنفسهم فى الدنيا لا يؤمنون بالآخرة ، فهم قلما ينظرون ويستدلون ، وإن هم فعلوا قعد بهم ضعف الإرادة عن احتمال لوم اللائمين واحتقار الأهل والمعاشرين.
والخلاصة ـ إن الفوز والفلاح فى الدين والدنيا لا يتم إلا بالعلم الصحيح والعزيمة الحافزة إلى العمل بالعلم ، فمن خسر إحدى الفضيلتين فقد خسر نفسه ، فردا كان أو أمة ، فما بال من خسرهما معا.
(وَلَهُ ما سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) أي لله ما فى السموات وما فى الأرض ، وله ما سكن فى الليل والنهار ، وخص هذا بالذكر وإن كان داخلا فى عموم ما فى السموات والأرض ، تنبيها إلى تصرفه تعالى بهذه الخفايا ولا سما إذا جنّ الليل وهدأ الخلق.